وظائف خالية: مؤنس المريض
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:12 ص
بتوقيت القاهرة
المتأمل لحال وأحوال منظومة الصحة فى مصر، يبدأ بالدهشة مرورا بالحيرة منتهيا إلى الاكتئاب.. دوائر متداخلة من المشاكل الصغيرة والكبيرة تذكيها سياسات عقيمة، تبدد جهود وميزانيات والخاسر فى النهاية هو الإنسان: المريض.
كل بلاد العالم تخطو بثبات للأمام إلا نحن خطواتنا دائما راجعة.
عندما كانت أوروبا تعاقب مرضى العقل والنفس بالضرب والنفى والسجن والعزلة وربما الإعدام، كان العرب يختارون للبيمارستان «المستشفى» أفضل موقع وأنقى هواء. يشيدون فى طرز معمارية بديعة لعلاج مرضى النفس والعقل بوعى ودراية لا تتوافر الآن.
لست من بكائىّ الأطلال ولا المستغرقين فى تمجيد الماضى لكنى بلا شك دائمة الحنين لأيام زمن جميل مضى ولم يخلف لنا إلا أياما عجاف!
هل خطر ببال أحدكم أنه فى ذلك الزمن الذى مضى كان الخير مسئولية الإنسان يوقف له من حر ملكه وأمواله، ما يجعله نهرا متدفقا على مر الأيام؟
كانت المرة الأولى التى أعرف فيها أن هناك وقفا ينذره أحد أصحاب النفوس الخيرة، للإنفاق على وظيفة من جملة وظائف فى المستشفيات، هدفها رعاية المريض ومحاولة رفع معنوياته وإكسابه العافية.
أول تلك المهام فى وظيفة مؤنس المريض لعدة مؤذنين حسنو الأداء رخيمو الصوت، يرتلون القصائد الدينية سعيا وراء التخفيف عن المريض وإلهائه عن التركيز فى آلامه وما آل إليه من مرض بعد صحة.
أما ثانيها: فهى تكليف اثنين أن يقفا قريبا من المريض، بحيث يسمعهما ولا يراهما فيقول الأول للثانى «ماذا قال الطبيب بشأن هذا المريض؟». فيرد عليه الأخير «قال الطبيب إنه فى حالة جيدة، لا يوجد فى علته ما يشغل البال وإنه إلى صحة إن شاء الله خلال أيام إذا ما شحذ إرادته».
أما الثالثة: «فمن يحسن الحديث والمؤانسة ويمكنه أداء المهام الصغيرة المتعلقة بنظافة المريض. معاونته على الاستحمام وتغيير ثيابه».
توقفت كثيرا أمام ذلك المثل الراقى لإنسانية فلسفة الأوقاف الخيرية الإسلامية، التى حملت أسماء الكثيرين ممن أودع الله سبحانه فى قلوبهم تقواه والكثير من رحمته.
زمن مضى كان من حق الإنسان فيه أن يمرض وأن يجد علاجا شافيا من علته ومكانا فى المستشفى وطبيبا يعالجه وإنسانا يؤازره ويؤنسه ويدعمه مدفوع الأجر فى وظيفة محترمة، اجتاز لأجلها اختبارا لقدراته!
مازالت خطواتنا متعثرة على طريق التأمين الصحى وجلساتنا منعقدة على الدوام، تناقش علاج غير القادرين وأهم معاملنا ومستشفياتنا الخاصة، بيعت فى سوق الظلام دون إعلان.
وبالأمس كان أحدهم يشحذ قدراته ليتأهل لوظيفة مؤنس مريض!