الكساد الاقتصادى والديمقراطية

بول كروجمان
بول كروجمان

آخر تحديث: السبت 31 ديسمبر 2011 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

آن الأوان لنطلق على الوضع الحالى اسمه الحقيقى، وهو الكساد الاقتصادى. والواقع أنه ليس نسخة طبق الأصل من الكساد العظيم، وهو ما فيه قدر من العزاء. وما زالت نسبة البطالة فى كل من أمريكا وأوروبا مرتفعة بصورة مخيفة. ويفقد الزعماء والمؤسسات مصداقيتهم على نحو متزايد. وتعانى قيم الديمقراطية من الحصار. وليست النقطة الأخيرة هى ما يثير المخاوف. فعلى الجبهة السياسية، وكما هو الحال على الجبهة الاقتصادية، من المهم ألا نقع فى شرك «ليس سيئا بقدر سوء كذا». ونسبة البطالة المرتفعة لا بأس بها، لأنها لم تبلغ مستويات 1933؛ ولا ينبغى تجاهل الاتجاهات السياسية المنذرة بالسوء لمجرد أن هتلر ليس فى المشهد.

 

لنتحدث، بصفة خاصة، عن ما يحدث فى أوروبا ليس لأن الأمور على ما يرام فى أمريكا، وإنما لأن خطورة التطورات السياسية الأوروبية غير مفهومة على نطاق واسع. إن أزمة اليورو تقتل الحلم الأوروبى قبل أى شىء آخر. وحتى العملة المشتركة، التى كان من المفترض أن توحد البلاد، خلقت جوا من الحدة المريرة. وبصفة خاصة، أدت المطالبة بإجراءات تقشف أشد صرامة إلى ضرر مزدوج، فى ظل غياب جهود تعويضية لتعزيز النمو. وقد فشل هذا كسياسة اقتصادية، وتفاقم وضع البطالة دون استعادة الثقة فى الاقتصاد؛ وهناك احتمال لكساد مشابه يشمل أوروبا على الرغم من احتواء خطر الأزمة المالية العاجلة. كما أدت إلى غضب عارم، بسبب استفزاز كثير من الأوروبيين مما يرونه، بحق أو بغير حق (وهو يحوى قدرا من كليهما فى الحقيقة)، استعراضا ألمانيّا للقوة ثقيل الوطأة.

 

ولابد أن يشعر أى مطلع على التاريخ الأوروبى يشعر بقشعريرة لظهور هذا العداء. لكن ربما كانت هناك أشياء أسوأ تحدث. فهناك حالة صعود للشعبويين اليمينيين؛ من النمسا حيث ينافس حزبُ الحرية (الذى تربط زعيمه علاقات بالنازيين الجدد) الأحزابَ القديمة فى الاستطلاعات، إلى فنلندا، حيث اتسم حزب الفنلنديين الحقيقيين المعادى للمهاجرين بأداء قوى فى انتخابات أبريل الماضى. وهذه بلاد غنية تتمتع باقتصادات قوية. لكن الأمور تبدو أكثر سوءا فى بلاد وسط وشرق أوروبا الأكثر فقرا.

 

وفى الشهر الماضى، سجل البنك الأوروبى للتعمير والتنمية هبوطا حادا فى الدعم الشعبى للديمقراطية فى بلدان «الاتحاد الأوروبى الجديد»، تلك البلاد التى انضمت للاتحاد الأوروبى بعد سقوط جدار برلين. وليس مستغربا أن يبلغ تراجع الإيمان بالديمقراطية أعلى مستوياته فى البلاد التى تعانى أشد العثرات الاقتصادية.

 

***

 

ونحن نتحدث الآن، هناك بلد واحد على الأقل، هو المجر، تتعرض المؤسسات الديمقراطية فيه للانهيار. ويعتبر، حزب جوبيك، أحد الأحزاب الرئيسية فى المجر، كابوسا من الثلاثينيات. فهو معاد للغجر والسامية، بل وله ذراع شبه عسكرية. لكن الخطر الداهم يأتى من حزب يمين الوسط الحاكم (فيديز). حقق الأخير أغلبية برلمانية كاسحة العام الماضى، لأسباب اقتصادية فى جانب منها على الأقل. والمجر ليست عضوا بمنطقة اليورو، لكنها عانت بشدة بسبب الاقتراض واسع النطاق بالعملة الأجنبية، وكذلك سوء إدارة الأحزاب اليسارية الليبرالية التى كانت تحكم آنذاك وفسادها. والآن، يبدو أن الحزب يعمل على الاحتفاظ بالسلطة إلى الأبد.

 

التفاصيل معقدة. وقد أخبرنى كيم لين شيبل، مدير برنامج برنستون للقانون والشئون العامة والمراقب المتعمق للأوضاع فى المجر أن الحزب يعتمد على مجموعة من الإجراءات لقمع المعارضة. وهناك اقتراح لسن قانون للانتخابات يتضمن تقسيما متعسفا للأحياء يجعل من شبه المستحيل على أى حزب آخر تشكيل الحكومة. وهناك انتقاص من استقلال القضاء، بينما امتلأت المحاكم بالموالين للحزب، وانضم إعلام الدولة إلى الحزب، بينما يتعرض الإعلام المستقل للقمع. وهناك تعديل دستورى مقترح من شأنه تجريم الحزب اليسارى المتصدر.

 

يشير هذا كله إلى إعادة تأسيس حكم استبدادى، فى ظل قشرة ديمقراطية هشة، فى قلب أوروبا. وهو عينة لما يمكن أن يحدث على نطاق أوسع إذا استمر هذا الكساد.

ولا نعرف ما يمكن عمله بالنسبة لانزلاق المجر نحو الاستبداد. وتبدى الخارجية الأمريكية اهتماما كبيرا بالمسألة، لكنها تظل مسألة أوروبية بالأساس. وقد فوت الاتحاد الأوروبى فرصة الحيلولة دون السيطرة على السلطة منذ البداية وهو ما يعود فى جانب منه إلى أن الدستور الجديد فُرض والمجر تجرى انتخابات الرئاسة الدورية للاتحاد. وسيكون وقف الانزلاق أكثر صعوبة الآن. إلا أنه من الأفضل أن يحاول زعماء أوروبا ذلك الآن، وإلا جازفوا بضياع كل ما يمثلونه.

 

ولابد لهم كذلك من إعادة النظر فى سياساتهم الاقتصادية الفاشلة. وإذا لم يفعلوا هذا، فسوف تتراجع الديمقراطية أكثر فأكثر وقد يكون الانفصال عن منطقة اليورو أقل مصادر قلقهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved