حديث التوافق والحوار.. تفكيك أم تمييع أم تنويه؟

إبراهيم يسري
إبراهيم يسري

آخر تحديث: الإثنين 31 ديسمبر 2012 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

بعد فترة من الفوضى والتخريب والبلطجة قاربت عامين وتسببت لنا فى خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية وسياسية، تم إقرار الدستور بعملية انتخابية سليمة وآلية ديمقراطية لم ترها مصر فى اى دستور، ولكننا كأى مجتمع عاش الديكتاتورية والبطش والتزوير والترويع ما زال فريق منا يفتقد الثقة يولول ويرفض ويهدد ويرفع مزاعم التزوير والبطلان والمظاهرات والاعتصامات لإسقاطه ويوصمه بعيوب ونقائص كبرى لا يمكن ان تساعدها نصوصه التى جاءت فى افضل الصور الممكنة كوثيقة دستورية جيدة خرجت نتيجة جهد حثيث وسط انواء الأبطال والانسحاب. بل وصلت الأزمة بنا إلى تفكك وفوضى وخروج على تقاليد قضائنا الشامخ العريق بشكل لم يكن له مثيل من قبل.

 

•••

 

ولقد سجلنا فى مصر أعجوبة الأعاجيب التى يصعب على قواميس السياسة وآليات الديمقراطية استيعابها أو تأصيلها، فبعد ساعات فقط من إبرام الدستور كعقد اجتماعى جديد عدنا من جديد لحديث عن التوافق وهو اصطلاح قبلى اسرى مصرى مبتكر وتوصيف عجيب أقحم على آليات الديمقراطية وتعاصر ذلك مع دعوة جديدة لما اسميناه حوارا بعد إقرار الدستور من موقع استعلائى يستهين برأى الناخبين الذين عادوا من أيام قليلة إلى دورهم وأعمالهم بعد ان عبروا وبقوة عن رأى الشعب الذى يسود جميع الآراء بالموافقة على دستورهم جديد، وقد شاركت السلطة والمعارضة التى تبلورت بمسمى جبهة الانقاذ الوطنى فى هذا الاستخفاف بإرادة الشعب، والحوار بين القوى السياسية فى اى بلد ديمقراطى امر جيد ومطلوب للتوصل لصفقات أو تسويات فى امور سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية جزئية ووقتية وليس فى دستور حاكم تخضع له الدولة وحكومتها وبرلمانها ورئيسها خاصة انه لم يضعوا أمام الشعب الذى وافق لتوه على العقد الاجتماعى الجديد أجندة الحوار وكأنها لا تخصه دون اعتبار لأن الدستور يستحق الديمومة ولا يمكن تعديله بسهولة بعد إقراره بوقت قصير.

 

•••

 

ودعنا نعود إلى تكييف حقيقة الخلاف الذى نشب بين السلطة والمعارضة فهو لا يتعلق بالدستور بالضرورة بل هو صراع حقيقى على السلطة يهدف لإسقاط شرعية رئيس الدولة وحكومته والمؤسسات الدستورية التى أقامها النظام من خلال آلية ديمقراطية سليمة فى مجملها، وقد لخصت ذلك مارينا أوتاواى كبيرة الباحثين فى برنامج مؤسسة كارنيجى للشرق الأوسط فى حديث مع بيرنارد جويرتزمان مستشار تحرير مجلس العلاقات الخارجية فى ٥ ديسمبر ٢٠١٢

 

الصراع هو صراع على السلطة يستخدم الإسلاميون آليات الديمقراطية بينما يستخدم الفريق المعارض العنف والمظاهرات لأنهم لا يستطيعون الفوز عبر الانتخابات وذلك عبر تحالف حدث بين المعارضة مع دوائر قضائية والدستورية عملت على تعطيل العملية الانتقالية.

 

وقد شخص مفكرنا الكبير فهمى هويدى اعراض الازمة بثلاث مجموعات تبنت مواقف متناقضة تعذر معها إمكانية التوافق حول اى بديل وتحدث عن الإرهاب الجديد من إرهاب السلطة إلى إرهاب المجتمع وان المشكلة الأكبر توزعت تيارات المجتمع على معسكرين قوى إسلامية وعلمانية يوصف مؤيدون الرئيس بأنهم سرقوا الثورة وانهم متخلفون يعيدون مصر للقرون الوسطى شتائم متبادلة صارت لغة الهجاء والسباب هى الأصل حين خرجنا من مرحلة موت السياسة إلى انخراط الجميع بها لم نجد أوعية مهيأة لاستقبال ذلك الزحف الكبير كانت أدوات الصراع هى الشوارع والميادين. نسينا الحلم المشترك واستسلموا لشهوة الانتصار على الآخر.

 

الأسوأ كان إحلال الغرائز محل العقل والاستقطاب البائس لجأ كل طرف إلى تخويف الآخر.إرهاب المجتمع جزء من ثقافة خطرة تهدد كيانه.

 

•••

 

ومع ذلك اعترف بأننى لا افهم عن اى توافق أو حوار يتحدثون بعد ان عبر الشعب عن إرادته.

 

 هل يملك الرئيس إهدار إرادة الشعب بعد ساعات من النتيجة، وهل تطلب جبهة الإنقاذ ما يسمو على هذه الإرادة. الأمر فى نظرى لا يخرج على فرضيتين الاولى هى تعذر التوصل إلى حوار ينتج ما يسمى بتوافق فى ظل الاختلاف الحاد فى وجهات النظر التى ينكر إحداهما وجود الآخر.

 

والثانية هى محاولة كسب الوقت وعقد صفقات تشمل بعض المناصب أو المكاسب على بعض أقطاب الجبهة سعيا لاسترضائها أو بثا لفرقة بين قادتها. على أن نضع فى الاعتبار أن جبهة الإنقاذ تسبح فى مركب تيار واحد أخشى أن يتكالب عليه الآخرون عند توزيع الغنائم وينفضون عنه عند تحمل الخسائر، وان هناك حزبا قويا خارج الجبهة لم يقل كلمته.

 

•••

 

المنهج الصحيح فى نظرى هو الاندفاع للشارع والإعداد لكسب أغلبية برلمانية فى الانتخابات الوشيكة القادمة وهى الوسيلة الوحيدة التى تستطيع بها الجبهة أو الأحزاب المعارضة تنفيذ مآربها وتحقيق انتصارها، اما منهجية المليونيات والاعتصامات فلم يعد لها مكان بعد ان قال الشعب كلمته واعلن إرادته، لأن المظاهرات لم تعد تعبر عن أغلبية ولكنها تطرح رأى أقلية لم تتمكن من إقناع الشعب برأيها تتمسح فيها عناصر البلطجة الفلولية. ولكن ما زال الحق لها فى التعبير عن آرائها فى مظاهرات ووسائل منضبطة تتفق مع الدستور والقانون ولا تعرقل الانتاج ولا مسيرة التنمية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved