٢٠١٧: نحو ديكتاتورية تشاركية!
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 31 ديسمبر 2016 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
يناير ٢٠١٧ هو ذكرى مرور ستة أعوام على الثورة المصرية التى أجبرت مبارك على الرحيل وغيرت المعادلة السياسية فى مصر والمنطقة العربية والشرق أوسطية إلى الأبد. صحيح أن الثورة فشلت فى تحقيق ما هو أبعد من إزاحة مبارك ومؤسساته، إلا أن عجلة التغيير الثقافية والسياسية والاجتماعية قد دارت بلا توقف ومازالت تدور.
كان وراء الثورة تيارات سياسية متباينة أيديولوجيا وسياسيا لكنها تمكنت من تحقيق تغيير كبير كان تعبيرا عن تراكم عدة سنوات سابقة من العمل السياسى المعارض لمبارك والذى انتهى بمجرد انهيار نظام الأخير لتشرذم التيارات الثورية وينتهى بها المطاف إلى ما نعرفه جميعا!
لم يعد هناك تيارات ثورية الآن، بعضها تمت تصفيته والآخر تم استنزافه والبعض الثالث قرر الانتحار السياسى بمجموعة من القرارت والرهانات الخاطئة بعد يونيو/يوليو ٢٠١٣. لكن هناك ما يمكن أن نطلق عليه تيارات التغيير. مجموعة متنوعة من الناشطين السياسيين المهتمين بالشأن العام والذين يعارضون بوضوح سياسات الرئيس السيسى والنظام القائم مطالبين بالتغيير. بعضهم ينتظر ثورة جديدة سياسية كانت أو اجتماعية، والبعض الآخر يراهن على التغيير من خلال الصندوق انتظارا للانتخابات الرئاسية المفترض أن تبدأ اجراءاتها فى ربيع ٢٠١٨ أى بعد عام وثلاثة أشهر تقريبا من الآن!
لا يوجد تعارض بين هذا المنحى وذاك، فانتظار حدوث ثورة ليس بديلا عن التحضير لانتخابات الرئاسة فى ٢٠١٨ ولا يتعارض مع الاشتباك مع الشأن العام بكل قوة من أجل إحداث تغييرات ولو طفيفة فى المعادلة السياسية الحالية. فالثورات لا تستأذن أحدا قبل أن تحدث، كما أن انتظارها هو نوع من أنواع العبث، أما الأهم فهو أنه حتى فى حالة حدوث ثورة فإنها تحتاج إلى تنظيمات سياسية لتقودها لتتأكد من توفير بدائل عملية على الأرض، اللهم إلا إذا كانت تيارات التغيير تسعى إلى ثورة تكتفى بعدها بتنظيف الميادين كما حدث سابقا!
***
سواء حدثت الثورة أم لم تحدث فمازال أمام تيارات التغيير فرصة للتنظيم والتأثير على المعادلة السياسية فى ٢٠١٧ ولكن بتكلفة أعلى بكثير من تكلفة السنوات التى تلت ٢٠١٣ وهذه هى أثمان التغيير لمن يرغب فى دفع الثمن! تحتاج تيارات التغيير أن تغير من وعيها وحساباتها ومنطقها بخصوص خمس قضايا رئيسية قبل أن تبدأ فى الاشتباك على الأرض فى العام الجديد:
أولا: تحتاج تيارات التغيير أن تنسى تماما هذا البعد الأخلاقى المزعوم بينما تشتبك مع الشأن العام فى مصر! صحيح أن هناك أفرادا حسنو النية ويسعون بالفعل للتغيير بدافع أخلاقى حاملين مبادئهم النقية ومستعدين لدفع الثمن والتضحية بكل غالٍ وثمين فى سبيل الوطن، إلا أن الاشتباك مع الشأن العام هو بالأساس صراع على السلطة ومن ينوى الدخول فى أى معترك سياسى خلال العام الجديد فعليه أن يعى ذلك جيدا! الأكثرية داخل هذه التيارات تسعى للتغيير من أجل الوصول إلى السلطة لا من أجل إعلاء المبادئ الأخلاقية المزعومة حتى ولو طنطنت بعكس ذلك! الصراع من أجل الوصول إلى السلطة ليس عيبا ويجب ألا يخجل منه أحد، من يريد النزول إلى الشارع فى ٢٠١٧ للتغيير مع التكلفة العالية المحتملة فعليه أو عليها أن تفعل ذلك وهى تعرف أنه من أجل حق مشروع للوصول إلى السلطة، وإن صح من يصدق الفرضية الأخلاقية للصراعات السياسية أو الثورية أن يبقى فى بيته يحكى لأولاده قصص ما قبل النوم أفضل!
ثانيا: على تيارات التغيير ثانية أن تنسى هذا الجدل العقيم حول قيادات ما بعد ٢٠١١، فمع تسجيل احترامى الشخصى لشخصيات مثل البرادعى أو حمدين أو أبوالفتوح أو عمرو موسى مع حفظ الألقاب للجميع، إلا أن اللحظة قد تجاوزت أطروحاتهم وأفكارهم، كما أن لكل منهم ثمنا سياسيا مرتفع التكلفة نتيجة لمواقف ما بعد ٢٠١٣ سيحمله بالضرورة لأتباعه ومريديه ومؤيديه فى ٢٠١٧، وبالتالى فالأفضل البحث عن قيادات جديدة أكثر شبابا وليست لديها فواتير عالية الثمن للتسديد فى ٢٠١٧ أو ما بعدها. لا يعنى هذا أن ينتهى دور هذه القيادات التاريخية، لكن يعنى أن تنتقل بإرادتها من مقاعد القيادة إلى مقاعد الاستشارة! أما من يتخيل نفسه فيلسوفا للثورة وللتغيير السياسى مع كل ما ارتكبه من أخطاء سياسية وحماقات وسذاجات كلفت الجميع أثمانا فادحة فعليه أن يبقى فى مقاعد الفلاسفة دون الطمع للعب أى دور سياسى!
***
ثالثا: رغم كل مطالب تيارات التغيير المرتبطة بالديموقراطية فإن عددا كبيرا منهم، وخصوصا الطامحون للعب أدوار قيادية، لا علاقة لهم بأى قيم ديموقراطية أو تعددية، بعضهم لديه ثقافة قبلية تؤثر قيم العزوة والشلة والأبوية على قيم الشفافية والمحاسبة والمسئولية والبعض الآخر لديه طموح التحكم والسيطرة حتى لو كان الأمر متعلقا بمجرد صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى. لا يعنى هذا إطلاقا أن يتم استبعاد هؤلاء من الانضمام لتيارات التغيير لأنه وعلى أرض الواقع لا يمكن استبعاد الجميع، لكن يجب أن يكون التعامل مع تيارات التغيير وقادته بحساب أنها تحمل فرصة ووعد أفضل نسبيا للمستقبل لا على أنها بدائل ديموقراطية ستغير من الأوضاع القائمة كثيرا! بعبارة أخرى المنضم لتيارات التغيير فى مصر عليه أن يعى أنه يسعى لتغيير معادلة الديكتاتورية الفردية القائمة حاليا إلى حالة الديكتاتورية التشاركية التى تمثل أقصى طموحات مصر فى الأعوام الخمسة القادمة بعيدا عن أى شعارات زائفة.
رابعا: من المهم أيضا التنازل عن فكرة التوحد بين صفوف المعارضة أو التغيير، فهذا التوحد غير ممكن لا عمليا ولا حتى نظريا، المطلوب هو فقط الاتفاق على طبيعة التغيير المرجوة وحدوده وطبيعة التحالفات بين القوى السياسية الراغبة فيه. هذا التحالف رغم صعوبته فإنه ليس مستحيلا ومن الممكن تحقيقه فقط لو توافرت إرادة التشبيك بين القوى السياسية وبشرط تخطى القوى السياسية للقيادات التاريخية التى ظهرت بعد ٢٠١١ وعدم تحمل أوزارها.
خامسا: أما القضية الأخيرة التى لابد من الاتفاق عليها قبل الولوج إلى أى سياسات للتغيير فى ٢٠١٧، فهى الاتفاق على أن التغيير هو فعل داخلى بأيدى وبأجندة القوى السياسية المقيمة فى الداخل بالأساس. هذا لا يعنى أى تخوين للقوى السياسية المقيمة بالخارج لكنه شرط رئيسى لإحداث أى تغييرات ناجحة فى الشأن المصرى، ولضمان أن من يتخذ القرارات ويحدد أجندة وبنود التغيير هو من يتحمل مسئوليتها ومسئولية أثمانها التى قد تكون مرتفعة كما تمت الإشارة مسبقا.
***
عام ٢٠١٧ سيكون مهما لتحديد مصير ملفات كثيرة فى مصر، والأوضاع المعيشية وخاصة تلك المرتبطة بأسعار السلع الأساسية، فضلا عن الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى قضية الجزيرتين المصريتين (تيران وصنافير) المتنازل عنهما بلا أدنى مسئولية من السلطة الحاكمة ستحدد مصير النظام والرئيس، ولكن طبيعة أى تغييرات محتملة سواء كانت عنيفة أو سلمية، تدريجية أو حادة ستتوقف حتما على قدرة تيارات التغيير فى إحداث تأثير على المعادلة السياسية الحالية واستغلالها لخسائر السلطة نحو تحسين شروط معادلة الديكتاتورية القائمة ودفعها نحو نسخة تشاركية بها قدر من الاستشارات والمكونات المدنية بنسب أعلى من الموجودة حاليا.
لا معنى لرفع سقف التوقعات والحديث عن ديموقراطية محتملة فى بلد بلا قوى ديموقراطية حقيقية، الأفضل أن ننزل بسقف التوقعات السنوات الخمس المقبلة حتى تتغير طبيعة القيادات الحالية فى السلطة والمعارضة وتتبدل بأخرى أكثر شبابا وأكثر انفتاحا وديموقراطية.
لكن ماهى سمات هذه الديكتاتورية التشاركية وكيف يمكن لتيارات التغيير التأثير على المعادلة السياسية القائمة؟، فهذا ما أتناوله فى مقالة مقبلة.