نشرت مجلة ذى أتلانتيك الأمريكية مقالا للكاتب ألكسيس مادريجال حول إمكانية تراجع استخدام موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك أمام مواقع وشبكات اجتماعية أخرى. فعلى الرغم من أن السيطرة المطردة والمتواصلة للفيسبوك على أوقات واهتمامات ملايين الأفراد على الانترنت، أصبحت أكبر من أى وقت مضى. حيث يستخدم الموقع يوميا، أكثر من 800 مليون شخص فى المتوسط. واعتماد الأفراد عليه ليس فقط للتواصل مع أصدقائهم ولكن مع أسرهم أيضا، فقد بحثت شركة أبحاث فى كيفية استخدام الناس لهواتفهم، وجدت أنهم يقضون فى تصفح الفيسبوك وقتا أكبر مما يمضونه فى تصفح باقى شبكة الإنترنت، إلا أن الكاتب يرى أن هذه السيطرة لن تستمر.
ويستدل الكاتب على هذه الهيمنة بازدياد اعتماد شركات الوسائط الرقمية على قدرات فيسبوك القوية فى التوزيع، وهو الأمر الذى يضعف الفكرة الأساسية للنشر بالنسبة لوسائل الإعلام. فقد بنيت وسائل الإعلام التقليدية مثل المجلات والصحف على أساس إتاحة فرصة الوصول إلى الجمهور للمعلنين. ولكن الآن تقريبا كل الجماهير فى نفس المكان، وتعرف الكيانات الإعلامية والمعلنون على حد سواء كيفية استهدافهم: فهم يذهبون إلى الفيسبوك، ويحددون بعض الخيارات من قائمة تشمل الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاما فى ولاية ماريلاند، على سبيل المثال، من مشجعى كرة القدم ويتم تقديم إعلاناتهم لتلك المجموعة السكانية.
وخلال العشر سنوات الماضية أصبح الفيسبوك ــ على حد وصف الكاتب ــ «حارس بوابة المعلومات» الأكثر تأثيرا فى العالم على نحو غير مسبوق. وليس من المبالغة القول بأن الفيسبوك يماثل جميع قنوات التليفزيون مجتمعة. حيث يقوم المبرمجون بنفس الدور الذى يقوم به مديرو البرامج فى اختيار ما يراه الجمهور. حيث صارت الأخبار تظهر على الفيسبوك وفق اهتمام كل شخص، فلا يعرف أى شخص ما يراه الآخرون. الأمر الذى لم يكن متخيلا فى السابق.
•••
ويشير الكاتب إلى أن الفيسبوك يختلف عن شركة جوجل للتكنولوجيا، وهى الأقدم نوعا ما، حيث تلعب أيضا دورا رئيسيا فى ما يقرأه الجمهور على شبكة الإنترنت، فمحرك جوجل أداة للمعلومات مصممة لمساعدة الناس على الحصول على ما يريدون معرفته. وعندما كانت جوجل قوة التوزيع المهيمنة على شبكة الانترنت، انعكس هذا الواقع على المحتوى الذى تنتجه وسائط الإعلام.بينما الفيسبوك يعد مختلفا، حيث يحدد المادة «الجذابة» بمعنى ما الذى ينال إعجاب المستخدم (وإعجاب من يشبهونه، وفقا لقواعد بياناته) وما الذى يعلق عليه أو يقوم بمشاركته مع آخرين. ويقدم الفيسبوك باستمرار المزيد من المعلومات التى يعتقد أن المستخدم يسعى لمعرفتها. وهنا تكمن أعظم نقاط قوة الفيسبوك.
ويضاف إلى ما سبق سياسة الفيسبوك والتى تقوم على شراء نشاط شركة أخرى يبدو أنها تهدد مكانته. فعلى سبيل المثال، عندما وفر انستجرام خيار تبادل الصور على الموبايل، قامت شركة فيس بوك بشراء الخدمة مقابل 715 مليون دولار. وبعدها دفعت 21.8 مليار دولار فى شراء تطبيق واتساب الذى جذب مئات الملايين من المستخدمين.
ووفقا لما سبق يتساءل الكاتب عما إذا كان الفيسبوك، على عكس AOL أو ماى سبيس، قد يستمر حقا إلى الأبد، أو على الأقل بقدر استمرار أى من منتجات الرأسمالية الأمريكية.
ويجيب الكاتب عن التساؤل بالإشارة إلى عدم ارتياح البعض لنشاط الفيسبوك نفسه، ذاكرا ما قاله كلايف طومسون، مؤلف كتاب «أذكى مما تظن: كيف تغير التكنولوجيا عقولنا إلى الأفضل» حول الموضوع بأنه «خلال ثلاث سنوات من البحث والحديث مع مئات من المستخدمين يوميا، لا أعتقد أننى سمعت أحدا يقول مرة واحدة إنه يحب الفيسبوك، مثل حى فى أحلام خبير تخطيط عمرانى، حيث يبدو كل عمود إنارة وشجيرة مصمما عمدا لإرضائك، فيصبح المكان بلا روح».
وتستطرد هذه الإجابة تساؤلات أخرى حول إمكانية مستخدمى الإنترنت إطلاق نوع من الاستجابة المناعية ضد الموقع؟ حيث هناك تهديد يتمثل فى تركيز هوية المستخدم على الانترنت بالكامل فى مكان واحد. وماذا لو قام الفيسبوك بتغيير شىء يخصه؟ وماذا لو تغيرت إعدادات الخصوصية (مرة أخرى)؟ ماذا لو تعذر عليه الدخول إلى حسابه؟
•••
ويستدل الكاتب بإمكانية الاستغناء عن استخدام الفيسبوك بأنه رغم تعامل المستخدمين معه باعتباره العمود الفقرى الاجتماعى، إلا أنه يتم استخدام مجموعة واسعة من التطبيقات الاجتماعية الأخرى. ولا يبدو أن أيا منها من المرجح أن يحل محل الفيسبوك من تلقاء نفسه، ولكنها معا، تشكل شبكة جيدة من مجموعة شبكات، وبديلا متنوعا عن الحياة على الفيسبوك. فعلى سبيل المثال لدى تطبيق «سناب شات» أكثر من مائة مليون مستخدم شهريا. ويفخر تطبيق «لاين» بأن أكثر من نصف مليار شخص يراسلون أصدقاءهم عبره. ولدى تطبيق «بينتريست» حوالى 60 مليون مستخدم شهريا. وكذلك تطبيق «فاين» أكثر من 40 مليون مستخدم مسجل. والقائمة تطول وتطول.
وكما يبين الكاتب، لا تعتبر الشبكات الاجتماعية، لعبة يأخذ فيها الفائز كل شيء. ففى السابق، كان يمكن للمرء أن يتصور أن التبديل بين الفيسبوك و«بعض الشبكات الأخرى» صعب، ولكن تكنولوجيا الهاتف الذكى اليوم تسهل استخدام عشرات الشبكات فى نفس الوقت. وجميع الرسائل تأتى إلى نفس المكان فالمهم هو ما يقوم به أصدقاؤك، وليس التطبيقات التى يستخدمونها.
ويوضح الكاتب زيادة الإقبال على التطبيقات التى تستغل الرغبة فى عدم الكشف عن الهوية، والاستخدام العابر، وغير المعروف، وهى تقريبا عكس رغبة مؤسسى الفيسبوك فى الربط بين الناس الحقيقيين (بأسمائهم الحقيقية) على شبكة الإنترنت؛ أو تطبيق «يك ياك»، فهو تطبيق غرضه الوحيد أن يعمل كلوحة اخبارية لمساحات محلية. حيث ينشر الأشخاص موضوعات على صفحات لا تكشف عن هوياتهم، ويراها آخرون على مقربة منهم من حيث المكان. فهو تطبيق لا يرتب التزاما على ما يقال على الدردشة الفارغة، أو الارتباط مع شخص ما فى العالم المادى. كما أنه تطبيق يحتل بانتظام مكانا بين أفضل التطبيقات المجانية لأجهزة الآيفون ــ أدنى من فيسبوك مسنجر، لكنه يفوق فى بعض الأحيان تطبيقات أخرى معروفة أكثر، مثل سناب شات وانستجرام. وقد صعد تطبيق سنابشات، الذى يسمح لمستخدميه بإرسال رسائل ذاتية التدمير، لأن الناس يحبون الصور اللحظية، التى لا تتمتع بوجود دائم على أجهزتهم. وتتيح تطبيقات اخفاء الهوية مثل «سيكريت» و«ويسبر».
•••
ولذلك يراهن الكاتب على أن المجال الذى قد لا يستطيع الفيسبوك السيطرة عليه فى المستقبل، سيكون مجال التطبيقات التى تستفيد من القرب المكانى. ويمكن أن ينشأ شيء جديد على هذه الجبهة، سواء كان ذلك فى تطور تطبيق «يك ياك» أو خدمة أخرى. هذا بالإضافة إلى تغيير فى الوسائط التى يستخدمها الناس فى «التحدث» إلى بعضهم البعض. حيث تتوقع جوديث دونات، مؤسسة مجموعة سوشيابل ميديا جروب، أن تتراجع أهمية الرسائل النصية، وتنتشر بدلا من ذلك، تطبيقات من شأنها أن تمزج بين النص والصوت، والفيديو، ومخرجات الاستشعار (للموقع، على سبيل المثال، أو العلامات المهمة). علاوة على ذلك يشير الكاتب إلى ساعة آبل والتى تبدو خطوة نحو المستقبل، حيث يستطيع المستخدمون إرسال وجوه متحركة مبتسمة ورسومات ومقاطع صوتية، وحتى ضربات القلب النبض الحى، والتى ستصل على هيئة نقرات على معصم المتلقى.
ويطرح الكاتب إمكانية أن يحل برنامج تراسل بسيط ولكن ثرى ربما مع أجهزة متخصصة محل الشبكة الاجتماعية الجامعة لمعظم المهام والأغراض. ففى إشارة إلى ما قاله شانى هيلتون، رئيس التحرير التنفيذى للأخبار فى موقع بازفيد حول اعتقاده بأن المجتمع يتحول بطريقة غريبة إلى المحادثات من شخص لآخر على الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الرسائل، مبينا أن الناس لا تريد أن تعيش حياتهم علنا بنفس الطريقة التى كانوا يريدونها قبل خمس سنوات.
وتشكل هذه الاتجاهات والتطورات مجتمعة تحديا مباشرا لسيادة الفيسبوك. فيوضح الكاتب بأن الفيسبوك قام على مبادلة وهى «اعطونا جميع المعلومات الشخصية الخاصة بكم، وارسلوا كل صوركم، ولتشيروا إلى كل أصدقائكم، وهلم جرا، إلى الأبد. فى المقابل، فإننا سوف نحسن حياتك الاجتماعية». ولكن هذه المخرجات لا تساوى المدخلات. ومن ثم تعتبر هذه التطبيقات الجديدة، دليلا على أنه ما زال بالإمكان أن يكون هناك شبكة إنترنت غريبة وخاصة، وأنه لا يزال بالإمكان الحصول على شبكات اجتماعية مختلفة من دون «الشبكة الاجتماعية».