لماذا يخسر «العرب» دائما فى القضية الفلسطينية؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يخسر «العرب» دائما فى القضية الفلسطينية؟

نشر فى : السبت 1 فبراير 2020 - 11:15 م | آخر تحديث : السبت 1 فبراير 2020 - 11:15 م

قبل أيام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عما أسمته خطة للسلام من أجل وضع «حل نهائى» للقضية الفلسطينية فى مؤتمر قمة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو. جاءت الخطة المعلنة من جانب واحد لتهدم ما تبقى من معانٍ فى حل الدولتين الذى يمثل الأساس الدولى لحل القضية منذ ١٩٤٧ حينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك القرار 181 لاعتماد خطة تقسيم فلسطين التاريخية إلى وطن لليهود وآخر للعرب وهى الفكرة التى كان تم طرحها بالأساس من لجنة تقصى حقائق أنشأتها بريطانيا التى كانت تخضع الأراضى الفلسطينية لانتدابها، لتقصى أسباب اندلاع ما يعرف تاريخيا بالثورة العربية الثانية ورأسها اللورد «بيل» فى ١٩٣٧، ويمثل الأساس العربى لحل القضية منذ مبادرة جامعة الدول العربية المقدمة فى هذا الصدد فى عام ٢٠٠٢ حينما أصدرت الجامعة العربية مبادراتها للسلام وقبول إنشاء دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧.
ورغم التنازلات الكبيرة والمرونة الفائقة التى أظهرتها الدول العربية والمفاوضون الفلسطينيون مع إسرائيل خلال عملية السلام فى تسعينيات القرن الماضى، إلا أن التعنت الإسرائيلى لم يتغير ولم تقدم إسرائيل أى تنازلات بل استمرت فى سياسات الاستيطان وتهويد الأراضى الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع ولم يقابل ذلك إلا بالمزيد من المرونة والتنازل من الجانب العربى ولكن بلا طائل!
إن المُراجِع للقضية الفلسطينية منذ إعلان قيام الدولة الإسرائيلية فى ١٩٤٨ بل وحتى قبلها بسنوات حينما كانت موجات الهجرة المنتظمة لليهود من أوروبا إلى فلسطين التاريخية بدعم وتنظيم من المنظمة الصهيونية، يُلاحِظ كيف أن العرب يخسرون على طول الخط فى مواجهة الإسرائيليين فى هذا الصدد، فبعد هزيمة الجيش العربى فى ١٩٤٨، ورفع شعار محو إسرائيل من الخريطة مرورا بمشروع الوحدة الفاشل بين مصر وسوريا والهزيمة الثقيلة للدول العربية فى ١٩٦٧، والعرب فى حالة استنزاف دائم، ورغم انتصار أكتوبر ١٩٧٣ والذى أعقبه الاسترداد الكامل للأراضى المصرية المحتلة، إلا أن ذلك لم ينعكس على القضية الفلسطينية بالإيجاب، فحدثت الانتفاضة الأولى وانتهت بعملية سلام استمرت لعقد وانتهت بالفشل ــ اللهم إلا إذا ما اعتبرنا إنشاء سلطة فلسطينية معترف بها دوليا مكسبا ــ بل وحتى بعض مشاريع البنية التحتية التى خرج بها الفلسطينيون من عملية السلام، مثل مطار غزة، تم تدميرها بالكامل ولم يتبقَّ أى مكسب حقيقى من العملية حتى وقتنا هذا!
***
السؤال الذى يطرح نفسه هنا، لماذا دائما ما يخسر العرب فى هذا الصراع؟
هناك عدة فرضيات مثلت دائما الإجابة لهذا السؤال خلال العقود الماضية، فمثلا هناك فرضية «نيو ليبرالية» تقول إن الخسارة والنزيف المتتالى للقضية هى نتيجة أن القضية هى قضية الفرص الضائعة، فلو قبل العرب ما كان معروضا فى ١٩٤٧ لكانت القضية قد تم حلها منذ عقود، والحقيقة أن هذه الفرضية غير سليمة لأنه وبعد فترة طويلة من استعمار الدول العربية وبداية عصر الاستقلال لم يكن فى مقدور أى قائد أن يسمح لشعب عربى أن يخسر نصف أرضه، ولو كان فعل أحدهم لربما قلنا الآن إنه هو من أضاع القضية ولو لم يفعل لاستعدنا كامل الأرض! كذلك لا يوجد ضمانات من أن العرب لو اتبعوا منهج السادات فى السبعينيات، لكانت القضية قد تم حلها، صحيح أن السادات تمكن من تحرير الأرض، لكن الصحيح أيضا لكل مطلع أن الإسرائيليين والأمريكان وقتها لم يكونوا على أى استعداد لتقديم ما اعتبروه تنازلات للفلسطينيين أو غيرهم، كانت اتفاقية السلام مهمة بالنسبة لإسرائيل لأنها تحيد واحدة من أقوى الدول العربية عن المواجهات المباشرة، ولم يكن هناك أى دليل أنهم على استعداد لتقديم أى تنازل آخر.
هناك فرضية ثانية غارقة فى الذاتية، تقول بأن السبب أن الفلسطينيين خونة، قد باعوا أرضهم للصهاينة! صحيح أن هذه الفرضية قد تبدو ساذجة ولا تستحق النقاش من الأصل، لكن فى النهاية هناك الكثيرون ممن يؤمنون بها بل ومنهم بعض المثقفين العرب، وقطعا هى فرضية غير صحيحة ومبنية على أحداث غير موثقة مبتورة من سياقها، فالشعب الفلسطينى ثائر وباحث عن حقوقه فى أراضيه منذ ثلاثينيات القرن الماضى حينما انتبه العرب وقتها إلى الاستيطان الصهيونى المنظم فى فلسطين ومنذ ذلك الحين لم يهدأ أبدا الشعب فى المطالبة بحقوقه والتضحية من أجلها.
هناك فرضية ثالثة، وهى فرضية يقول بها بعض تيارات الإسلام السياسى، من أن بُعد الأنظمة العربية عن الإسلام وإغراق الزعماء القوميين العرب فى سياسات العلمنة كانت من أهم أسباب هذه الخسارة، ورغم أن المشروع القومى العربى يتحمل بشكل أو بآخر مسئولية بعض خسائر هذا الصراع، لكن لا شك أن الفرضية الإسلامية بها قدر كبير من التسييس ففى النهاية لم يتمكن أى تيار إسلامى أو قومى عروبى من تغيير الأوضاع حينما سنحت له فرصة الحكم!
***
قبل عشرين عاما تقريبا كان الأستاذ الدكتور سمعان بطرس فرج الله رحمه الله، يدرس لنا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مادة القانون الدولى فى مرحلة الدراسات العليا، وكان يدرس المادة من منظور واحد فقط، وهو المنظور الواقعى والذى يقول باختصار أن القوانين الدولية والمنظمات الدولية لا تغير من موازين القوة للدول المتصارعة، فهى تحكم فقط الدول الضعيفة، أما الدول القوية لا تخضع لقواعد هذا القانون، ومن هنا فكل دولة عليها البحث عن عناصر قوتها المادية والمعنوية والاستثمار فيها وإلا ستخسر صراعاتها أمام الدول الأخرى الأكثر منها قوة!
وفقا لهذا المنظور الواقعى، فإن منظمات دولية مثل الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية وغيرهم هى منصات تنسيقية أو تعاونية أو تحكيمية، لكنها لا تستطيع أن تحسم صراعات بين دول قوية وأخرى ضعيفة، فالأمر محكوم دائما بمعادلات القوة ولا يمكن لأى منظمة دولية أن تنتصر للقانون الدولى فى أى صراع به دول قوية. كنا كطلبة فى بداية الألفية الثالثة ورغم يأسنا من الأطر الدولية وقتها وخصوصا بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلا أننا كنا نعتقد أن الدكتور سمعان ربما متشائم بشكل أكبر من اللازم، لكن تثبت الأيام دائما أن المدرسة الواقعية فى فهم العلاقات الدولية هى الأكثر قدرة على تحليل الأحداث الدولية خصوصا حينما يتعلق الأمر بصراعات غير متكافئة.
إذا ما سحبنا هذا الكلام على القضية الفلسطينية، فستكون الإجابة على سؤال المقال بسيطة، نظرا للهوة الكبيرة فى امتلاك عناصر القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية بين الدول العربية «المعنية» بالقضية، وبين إسرائيل والولايات المتحدة، حسمت الدول الأخيرة الصراع لصالحها وفرضت دوما سياسة الأمر الواقع.
لاحِظ هنا إننى لم أتحدث عن فارق القوة بين الدول العربية عموما وبين إسرائيل والولايات المتحدة، ولكننى تحدثت عن الدول العربية «المعنية»، ذلك أنه من الأمور التى لم تحظ بدراسة أكاديمية كافية من قبل فى تقديرى هو ذلك الافتراض المطلق الذى لم يراجع بشكل علمى كثيرا، ألا وهو افتراض «الصراع العربى الإسرائيلى» والذى يوحى بأن الصراع هو بين «إسرائيل» وبين «الدول العربية مجتمعة» وقطعا هذا غير صحيح بالمرة، فمن ناحية، المواجهة لا تقف فيها إسرائيل وحدها، ولكن تقف معها أطراف سياسية متعددة من الدول «أمريكا مثلا» وغير الدول «منصات إعلامية وسياسية ودينية أوروبية وأمريكية بالأساس» تدعم الحق الإسرائيلى من وجهة نظرها ولا ترى للفلسطينيين أى حقوق إلا ما تقرره إسرائيل، ومن ناحية أخرى ليست كل الدول العربية معنية بالقضية، فهناك دول عربية بعيدة جغرافيا عن منطقة الصراع ولا ترى لنفسها أى دور فى الصراع، ولا تهتم كثيرا إلا ببعض الشعارات للمزايدة على غيرها من دول المواجهة العربية أو مجموعة أخرى من الأنظمة السياسية العربية قررت أن مصلحتها أولا وجعلت القضية فى ذيل اهتماماتها، بينما كانت هناك مجموعة ثالثة تدعم صراحة الحق الصهيونى لأسباب معقدة قد نتحدث عنها فى مقالة لاحقة، بل وهناك قوة وأنظمة أخرى غير عربية قد تكون معنية بالقضية بشكل أكبر بكثير من بعض الدول العربية!
وهكذا فالصراع ليس متكافئا أولا ويستغله ترامب رائد الواقعية السياسية على أكمل وجه لصالح شبكات الضغط الصهيونية، وأطراف هذا الصراع غير محددين بشكل دقيق ثانيا وعلينا مراجعتهم، لأن ليس كل أطراف هذا الصراع عربا وليس كلهم مسلمين، ولهذا حديث آخر.

أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر