نشر موقع Jewish Currents مقالا للكاتب Joshua Leifer تناول فيه علمانية المرشح الديمقراطى «ساندرز» وكيف سيكون حفل تنصيبه إذا فاز بالانتخابات ــ علما بأن مراسم التنصيب دينية خالصة ــ وسياسة ساندرز تجاه إسرائيل ورؤية الإسرائيليين لساندرز إذا وصل إلى سدة الحكم، ونعرض منه ما يلى:
من الصعب أن نتخيل حفل تنصيب بيرنى ساندرز رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. وذلك لا يعنى أن الطريق صعب للوصول للبيت الأبيض ولكن بمعنى أنه من الصعب تصور شكل الحفل.
ساندرز لن يكون أول رئيس يهودى للولايات المتحدة فحسب، بل سيكون أيضا أول علمانى يشغل المنصب فى العصر الحديث، ولطالما كانت مراسم التنصيب شأنا دينيا خالصا. بحيث يقوم مجموعة من رجال الدين المسيحيين بأداء صلوات التنصيب، وكذلك الحاخامات يؤدون صلوات التنصيب، وإن كان بشكل قليل. كان الحاخام مارفن هيير، عميد مركز سايمون فيزنتال، الذى منح دونالد ترامب البركة فى حفل تنصيبه فى عام 2017، أول حاخام يقيم الصلاة فى حفل تنصيب منذ أن بارك الحاخام ألفريد جوتسكالك، رئيس كلية الاتحاد العبرية لحركة الإصلاح فى ذلك الوقت، حفل تنصيب رونالد ريجان فى عام 1985.
***
من سيلقى الابتهالات والدعوات فى حفل تنصيب ساندرز؟ هل سيكون هناك عدد من الحاخامات أو المزيد من القساوسة والكهنة؟ هل سيؤدى ساندرز اليمين الدستورية على التوراة أو التاناخ؟ هل سيعترض ساندرز، المدافع القوى عن الفصل بين الكنيسة والدولة، على وجود الصلاة تماما؟
هناك صعوبة للإجابة عن هذه الأسئلة، فأمريكا بلد متدين، وإذا فاز ساندرز فسنكون أمام رئيس يهودى علمانى. ويجب على أى مرشح رئاسى أن يتحدث عن إيمانه وعقيدته الدينية.
فى بداية شهر فبراير 2020، احتدم النقاش قليلا حول الهوية الدينية لساندرز، حيث قامت بريتنى كوبر، أستاذة بجامعة روتجرز ومؤيدة بارزة لإليزابيث وارين، بنشر تغريدة كتبت فيها أن «ساندرز ملحد»، وأن هذا قد يحد من قدرته على التواصل مع الناخبين السود. وردا على ذلك، أشار الكثيرون إلى أن ساندرز قال إنه يؤمن بالله، وسرعان ما اعتذرت كوبر عن «نشر معلومات خاطئة» عن هوية ساندرز الدينية. لكن هذا الخطأ ربط العلمانية بالإلحاد. فى نفس الوقت، نشرت واشنطن بوست مقالا وصف ساندرز بأنه «أبرز سياسى أمريكى غير متدين».
على الرغم من اعتراف ساندرز أنه لا يشارك فى أى نشاط دينى، إلا أن ذلك لا يعنى أنه غير متدين. معظم اليهود، مثل ساندرز، لا يشاركون فى أى نشاط ديني؛ ومع ذلك تظل اليهودية جزءا لا يتجزأ من هوية العديد من هؤلاء اليهود. ولفهم الهوية اليهودية لا يجدى استخدام الثنائى (الإيمان ــ الإلحاد). فاليهودية، على عكس المسيحية، ليست ديانة عقائدية صارمة ــ أى ديانة تتطلب الإيمان بالعقيدة الأساسية ــ وعبر كثير من اليهود عن شعورهم بأنهم على صلة قوية بالشعب والثقافة والتاريخ اليهودى دون الإيمان بالضرورة بالله.
علاوة على ذلك، فى المجتمعات اليهودية الأمريكية المتقاربة نسبيا، تعتبر مسائل الأخلاق والطقوس ذات أولوية أكبر بكثير من مسائل الإيمان بالله.
وفى ضوء ذلك، وعلى عكس التغطية فى الصحف اليهودية، يعتبر ساندرز متمتعا بهوية دينية. حيث لا ينتمى ساندرز ومعه ثلثا اليهود الأمريكيين ــ وفقا لمركز الأبحاث بيو عام 2013 بعنوان «صورة للأميركيين اليهود» ــ لأى معبد يهودى. وفى إسرائيل، يعتبر «الموالون لإسرائيل بنسبة 100٪» ساندرز صهيونيا ليبراليا تقليديا: ينتقد بشدة بنيامين نتنياهو، ولا يزال ملتزما بحل الدولتين، وعلى استعداد لاستخدام الضغط الحكومى الأمريكى لتحميل إسرائيل مسئولية أفعالها. معظم اليهود الأمريكيين يحملون وجهات نظر متشابهة: الأغلبية تشعر بالولاء لإسرائيل، وتختلف مع سياسات حكومتها، وتؤيد حل الدولتين، وتعتقد أن على الولايات المتحدة ممارسة الضغط على إسرائيل لتحقيق السلام.
***
عندما سئل ساندرز عن معتقداته الدينية فى مقابلة فى يناير مع مجلس تحرير نيويورك تايمز، قال: «أنا أؤمن بالله. أنا أؤمن بعالمية الناس. وأن ما يحدث لأى فرد ينعكس على». هذه النظرة إلى الله تتماشى أيضا مع الميول اللاهوتية لمعظم اليهود الأمريكيين: نحو 70٪ يقولون أنهم يؤمنون بالله أو «الروح العالمية». وعندما سأل موقع «بيو» اليهود فى أمريكا «ما الذى يجعلك يهوديا؟» قال 73٪: «تذكُر المحرقة». وقال 69٪: «عيش حياة أخلاقية». و56٪ قالوا: «العمل من أجل العدالة/المساواة».
وفى نيو هامبشاير أوائل فبراير، سألت امرأة من الحضور ساندرز كيف «تؤثر هويته اليهودية على رؤيته للعالم والسياسة» وما إذا كان يجدها «عائقا أم مُعِينا له كمرشح رئاسى». أجاب: «إنها تؤثر عليه بشكل قوى». كما تحدث عن نشأته فى مجتمع من الطبقة العاملة فى بروكلين، بعد الحرب، حول أشخاص وُشم على أذرعهم أرقام معسكر الاعتقال. قال: «فى سن مبكرة جدا، حتى قبل نضوج أفكارى السياسية، كنت على دراية بالأشياء الفظيعة التى يرتكبها البشر تجاه بعضهم البعض باسم العنصرية أو القومية البيضاء، أو النازية».
تمثل إجابة ساندرز مثالا يهوديا للالتزام برؤية عادلة وعالمية لعالم أفضل بعد تجارب اليهود مع المعاناة والاضطهاد خلال الحكم النازى. وهو شكل من أشكال اليهودية يختلف عن الرؤية القومية وحتى الشوفينية أو التعصبية التى أصبحت مهيمنة فى العالم المؤسسى اليهودى الأمريكى، والتى عبرت عنها مجموعات مثل رابطة مكافحة التشهير واللجنة اليهودية الأمريكية ولجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC.
ولكن على الرغم من أن يهودية ساندرز تبدو مألوفة لأعداد كبيرة من اليهود الأمريكيين، فإن مفرداته الدينية ــ التضامن والعدالة الدنيوية – لا تتوافق مع شكل الخطاب الدينى الأمريكى المسيحى، والذى يركز على مفردات مثل الخلاص الشخصى والإيمان والنعمة. والسؤال الآن هل سيحاول الناخبون الأمريكيون فهم هوية ساندرز اليهودية العلمانية؟!!
***
عندما ظهر ساندرز كمرشح ديمقراطى بارز، بدأ يتحدث عن هويته اليهودية أكثر مما كان يفعل فى حملته عام 2016، كان يتحدث عن أفكار يهودية منسية. بدأ يتحدث عن بعض الموضوعات اليهودية النبوية والتى سبق أن جسدتها الحركة الإصلاحية، فمثلا، نادى الراحل ألبرت فورسبان، مؤسس مركز العمل الدينى، بضرورة مشاركة اليهودية فى النضال من أجل الحقوق المدنية للسود كما كان من بين أول القادة اليهود الذين عارضوا حرب فيتنام.
أولئك الذين سعوا إلى تعزيز استخدام الأفكار اليهودية رأوا فى الكتاب المقدس العبرى، وخاصة الأنبياء العبريين، مصدرا لرؤية عالمية للسلام والمساواة. لقد تحدثوا عن الوظيفة الأخلاقية العالمية لليهودية وحذروا من الأشكال الجديدة للهوية اليهودية ــ مثل الصهيونية اليمينية المتشددة والمحافظين الجدد ــ التى كانت تكتسب قوة فى فترة ما بعد الحرب، والتى دعت إلى أن يدير اليهود ظهورهم للنضال من أجل عالم أكثر عدلا لجميع الناس.
وبدأت تصريحات ساندرز الأخيرة بالتطرق إلى هذه المواضيع، وليس فقط فى ولاية نيو هامبشاير. حيث قال ساندرز فى مؤتمر(J Street) الخريف الماضى: «إذا كان هناك أى شخص على وجه الأرض يقوم بمحاربة جهود ترامب لتقسيمنا حسب لون بشرتنا، أو لغتنا، أو ديننا، أو حتى مكان مولدنا، فإنه يقوم بعمل إنسانى». وأضاف: «إذا كان هناك شخص على وجه الأرض مفروض عليه توحيد الناس حول أجندة مشتركة وتقدمية، فهو الشعب اليهودى». لكن الاعتقاد بأن الشعب اليهودى يستطيع ويجب أن يكون «نورا للأمم» لا يعنى أن الأمم والتقاليد الأخرى لا يمكن أن تكون نورا تعمل على القضاء على الظلم الذى يهددنا جميعا.
وبذلك، تمكن ساندرز من الاحتفاظ بعلمانيته مع إظهار أنه يتفهم قيمة التقاليد والنصوص الدينية والالتزامات الأخلاقية التى يصفونها.
يهودية ساندرز العلمانية هى من بين أكثر أشكال الهوية اليهودية شيوعا فى الولايات المتحدة، ومع ذلك فهى هوية دينية لم تظهر من قبل على الساحة السياسية القومية.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:من هنا