نشرت مجلة The New Yorker الأمريكية مقالا لـ«شارلين جولت» الكاتبة الصحفية بالمجلة، حول أوضاع جمهورية جنوب أفريقيا والأزمات والتحديات الأخيرة التى تواجهها وردود أفعال المواطنين إزاء الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتى انتهت بفوز الجمهورى دونالد ترامب.
تبدأ «جولت» بالحديث عن دولة جنوب أفريقيا قديما؛ وتقول إنها حينما زارت هذه البلد عام 1985 كانت تمر بأحلك أيامها على الإطلاق، حيث كان يسود وقتها نظام الفصل العنصرى القمعى العنيف، ولكن من النقاط المضيئة وقتها أن «جولت» قد وجدت كيف أن المتظاهرين والساخطين على ذلك النظام القمعى يستمدون إلهامهم ووقودهم من ثورة الولايات المتحدة، والتى طالبت بالحقوق المدنية وإنهاء نظام الفصل العنصرى والذى كان يميز ما بين البيض والسود، وكل ذلك وقت المعاملات الوحشية التى كان يتلقاها هؤلاء الثوريين على ذلك التعسف ما بين تعذيب بالسجون أو إلقاء من الطائرات إلى البحار، أو حتى السجن مدى الحياة، وليس دليل على ذلك أكثر مما حدث للزعيم الجنوب أفريقى نيلسون مانديلا ورفاقه. وكما ظهر فى جنوب أفريقيا مانديلا ظهر من قبل بالولايات المتحدة مارتن لوثر كينج والذى ناهض أيضا من أجل الحقوق والحريات والقضاء على نظام التمييز العنصرى الذى كان سائدا ببلاده.
وتستطرد قائلة أنها عقب ذلك بسنوات عديدة قد زارت مرة أخرى جنوب أفريقيا وكانت وقتها تخطو خطواتها الأولى تجاه الديمقراطية التى تحتوى جميع متعددى الأعراق لديها، وعاشت هناك قرابة العشرين عاما وعادت مرة أخرى إلى الولايات المتحدة عام 2012 ولكن استمرت علاقاتها وتواصلها مع الأصدقاء بجنوب أفريقيا ومعرفة أخبار الأوضاع لديهم من خلال المحادثات عبر وسائل التواصل التكنولوجية. لكن ما حدث ومازال يحدث بالداخل الجنوب أفريقى بات مقلقا للغاية وبخاصة مع التقارير التى تنشر عن اتجاه الثقافة السياسية هناك وما يقال عن الفساد المتصاعد بحكومة الرئيس الجنوب أفريقى «جاكوب زوما» والذى سيقبع بالسلطة حتى إجراء انتخابات وطنية عام 2019، ولكنه يواجه خلال هذه الفترة تمردا بحزبه، ولكن لا يبدو أن ما حدث من قبل حينما استقال الرئيس الجنوب أفريقى السابق «تابو إيمبيكى» من منصبه سيتكرر هذه المرة مع «زوما».
جدير بالذكر أن «إيمبيكى» لم يتم اتهامه فى أية قضايا فساد شخصية، على عكس زوما، وما قيل إنه حاول بذل كل ما فى وسعه من أجل تقويض «زوما» من محاولته خلافته حينما يحين الوقت لذلك. ولكن ما حدث أن «إيمبيكى» استقال بدلا من الانتظار إلى عزله من منصبه، وذلك حتى يُجنِب البلاد أزمة قبل إجراء الانتخابات الوطنية عام 2009، وتجدر الإشارة هنا إلى أن رئيس الجمهورية بجنوب أفريقيا يتم اختياره من قبل البرلمان عقب انتهاء الانتخابات مباشرة.
***
على صعيد آخر وفى هذه الأوقات يتم اتهام الرئيس الجنوب أفريقى «زوما» بالفساد فيما يتعلق بفوزه بتولى قيادة حزبه «المؤتمر الوطنى الأفريقى» ورئاسة البلاد. ولكن بدلا من أن تنتهى هذه الاتهامات أو يحاول بشكل فعلى الرئيس الجنوب أفريقى تكذيبها قام بتجديد منزله شديد الفخامة فى معقله بكوازولو ناتال (إحدى محافظات جنوب أفريقيا). ونتيجة لكل ذلك فقد أصدر المحامى العام بجنوب أفريقيا قرارا أمر فيه بإجراء تحقيق قضائى كامل لاحتمالية وجود فساد ومصالح مشتركة بين زوما وكبار المسئولين فى الدولة، وتورطه مع عائلة جوبتا والتى تعد واحدة من أكثر العائلات بجنوب أفريقيا ثراء، ويزعم حصولها على مزايا اقتصادية وغيرها من خلال علاقتها بالرئيس «زوما».
وخلال ذلك نفى «زوما» تماما جميع هذه الاتهامات وثقته من قدرته على الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، ومن جهة أخرى فقد قيل بأن عائلة جوبتا تستعد لوضع خطة للخروج من جميع هذه الاتهامات خلال التحقيقات المقبلة.
فى السياق ذاته يقول «أحمد كاثرادا» البرلمانى السابق ورفيق مانديلا بالسجن والذى ناضل معه من أجل القضاء على نظام التمييز العنصرى البالغ من العمر سبعة وثمانين عاما، بأن ما يحدث يؤدى إلى أزمة ثقة فى قيادة البلاد داعيا «زوما» إلى التنحى وترك منصبه فى الوقت الذى بات يرى الجنوب أفريقيين أنفسهم بأنهم ليسوا فقط لا يتمتعون بالمساواة بل هم فى مرحلة أسوأ من ذلك بكثير. قد يكون ذلك من الصعب قوله والإقرار به صراحة ولكن هذه هى الحقيقة التى تعكس واقع الإحباط وخيبة الأمل التى قد وصل إليها الجنوب أفريقيين مما آلت إليه جميع هذه التداعيات المؤسفة.
من جهة أخرى ومع تنامى الأزمات السياسية بالبلاد اجتاحت العديد من الاحتجاجات الجامعات وذلك عقب قرار رفع الرسوم الدراسية فضلا عن العنف الذى انتشر بالحرم الجامعى وليس أدل على ذلك مما حدث بجامعة ويتواترسراند الجنوب أفريقية والتى شهدت قيام أحد الأفراد بإشعال النيران بالمكتبة وإحراق عدد من الكتب قبل أن يتمكنوا من إطفاء الحريق، وقامت الشرطة بعدها بالقبض على عدد من الطلبة مشكوك فيهم وجلب آخرين لترهيبهم، كما تم مد فترة الامتحانات لمدة أسبوعين ولكن بشكل عام انتشر الذعر والخوف والعنف داخل الجامعة لدرجة وصلت إلى قيام أحد الأساتذة بإجراء الاختبار لطلابه بغرفة معيشته.
نتيجة لكل ذلك أصبح عدد من مواطنى جنوب أفريقيا يشعرون بأن بلادهم باتت فقط لمن يتصفون بالشجاعة والجرأة ولا مكان بها للجبناء وخاصة مع كثرة انتشار أعمال العنف والفساد وعدم استقرار البلاد بشكل عام، ولكن رغم كل ذلك يرى عدد من الجنوب أفريقيين بأن عليهم أن يقنعوا أنفسهم بأنهم مازالوا يعيشون فى دولة ديمقراطية دستورية!
***
من ناحية أخرى وفيما يتعلق بعلاقة جنوب أفريقيا بالولايات المتحدة وإجراء الانتخابات الرئاسية بها، والتى انتهت بالفوز المفاجئ للجمهورى «دونالد ترامب»، فقد كان يأمل عدد من مواطنى جنوب أفريقيا قبل إجراء الانتخابات بأن الأمريكيين سيكون لديهم الوعى والحكمة من أجل اختيار الرئيس الأنسب لهم وأنهم يعانون من أشياء سيئة عديدة وليسوا فى حاجة إلى قدوة أخرى سيئة لقاداتهم. وعقب إعلان النتيجة قد أصاب عدد منهم الإحباط مؤكدين بأن الحزن قد أصاب جنوب أفريقيا كلها.
***
تختتم الكاتبة بأن عملها كصحفية جعلها تزور وتتعرف على بلدان أفريقية عديدة ما زالت فى طريقها الوعر نحو تحقيق الديمقراطية والحرية والصالح العام. وأنها خلال هذه الزيارات التى أجرتها التقت بأشخاص عديدين يحاولون الوصول إلى آليات للقضاء على نظام التمييز العنصرى وترى الكاتبة أنه من الممكن التغلب على جميع هذه التحديات وأن الأمل ما زال لديها بأن يتم إنهاء أية ممارسات قمعية وعنصرية وأن تعود بشكل خاص جنوب أفريقيا كإلهام للعالم مرة أخرى من أجل النضال للحصول على الحقوق والحريات والمساواة بين جميع المواطنين.
النص الأصلى