نشر توفيق الحكيم مقصوصة طريد الفردوس فى مجموعته القصصية ليلة الزفاف التى تحمل اسمة كمؤلف، وهذه المقصوصة تحولت فى عام 1966 إلى فيلم سينمائى من اخراج فطين عبدالوهاب حيث قام فريد شوقى بدور الشيخ عليش، وفى النص القصصى فإن الاحداث تدور حول إنسان «راوى» يعرف تماما قصة الشيخ عليش ذلك الرجل الأربعينى، صاحب اللحبة البيضاء والذى يضع على رأسه قلنسوة ويرتدى الجلباب وتأتيه نساء القرية من أجل التبرك به ويطلبن منه أن يقضى لهن بعض الحاجات الروحية، ويصف الراوى حال هذا الشيخ الذى أصابه الموت المفاجئ فلما دفنوه لم يجد مكانا فى العالم الآخر يذهب إليه فهو من البراءة بحيث لم يرتكب ذنبا ولم يعرف الخطيئة وتم إعادته إلى الدنيا مرة أخرى كى يكتسب منها ما يحدد مصيره فى الآخرة، كما نرى فإنها فكرة فنتازية شغف بها المؤلفون فى الأدب العالمى أسوة بفاوست وأعمال عديدة منها «السماء يمكن أن تنتظر» وهو اسم فيلم أخرجه وارن بيتى عام 1977 مستوحى من فيلم آخر قام جيمس ماسون ببطولته فى الأربعينيات كما أن هناك سيناريو سينمائيا فرنسيا كتبة الفيلسوف جان بول سارتر فى النصف الثانى من أربعينيات السينما الفرنسية يدور حول شخص ينتقل إلى العالم الآخر وهناك تتم الحيرة فى أمره فهل هو من أهل الفردوس أم الجحيم وعندما يحتار حكام السماء فى أمر هذا الشخص يتم إعادة الرجل إلى الحياة كى يستكمل بقية حياته.
فى مقصوصة توفيق الحكيم فإن الراوى يقول إنه فوجئ بوجود شخص يسمى علوى فى إحدى الحانات هو طبق الأصل من الشيخ عليش، وإن كان قد تغيرت هيئته وصار أشبه بحرس الراقصات فى البارات، وهو يشرب الخمر ويحرس المكان من الفتوات الذين يسيئون إلى الأمن وتتوطد العلاقة بين الراوية وعلوى ويفهم الراوية أن عليش قد عاد من الموت كى يتم اختباره من جديد فى الحياة، وفيما بعد يختفى علوى من البار ويقابله الراوى على أحد الأرصفة وقد صار متسولا، يبحث عن أمان خاص، ويدور الحوار بين الطرفين ونكتشف أن اسمه الجديد هو عليوة، ويحكى أنه قام بإنقاذ إحدى المدرسات البريئات من خطر الطريق لأنه أحبها ولم يبح لها بسره ووصل به الأمر إلى هذا الحال الذى هو عليه الآن، ويخبرنا الراوية ان هذا الشخص قد اختفى من جديد، وتساءل: ترى ما مصيره لو عاد مرة أخرى إلى العالم الآخر هل سيذهب إلى الفردوس أم الجحيم؟
لا يمكن ان نتجاوز نقاط التماس التى بين النصوص العالمية سواء بالأفلام أو الروايات والقصة القصيرة التى كتبها توفيق الحكيم ومن هذه القصة قام محمد مصطفى سامى بكتابة سيناريو فيلم طريد الفردوس الذى أخرجه توفيق عبدالوهاب. وعندما نقول محمد مصطفى سامى فإن هذا يعنى أنه كاتب السيناريو الذى اقتبس من الروايات الشعبية الفرنسية وقدمها إلى حسن الإمام وبركات، أى إنه الأكثر معرفة بمصدر هذه القصة القصيرة حيث كان قارئا دءوبا للأدب الشعبى الفرنسى الذى قد رجع إليه الحكيم خاصة فى أقصوصة ليلة الزفاف وغيرها من الأعمال الأوروبية مثل «فاوست» و«بجماليون»، وفى الفيلم تم تصوير العالم الآخر؛ السماء بالألوان الطبيعية حيث رأينا الشيخ عليش فى ملابس الموت وقد أصابته الحيرة فلا أحد يتقبلة كى يذهب إلى مصيره الآخر ــ الجنة أو النار ــ وبعد أن تم تشييعه بواسطة أهل قريته الذين أقاموا له ضريحا يتبركون به فإن عليش الجديد قد غير اسمه إلى علوى وذهب إلى المدينه ليعمل فى أحد البارات ويقوم بحماية صاحبة البار من البلطجية، هذه المرأة تقع فى حبة وتعجب بفحولته وتوسلت إليه أن يبقى معها إلى أن يتعرف إلى المدرسة التى أنقذها من خصومها ويتقدم لخطبتها ويسعى إلى الزواج منها ولكنه بسبب الخصومات الشديدة يموت فى معركة مواجهة معهم ويتم دفنه من جديد لنرى عليش فى ثوب مختلف بالألوان الطبيعية وبدلا من كلمة النهاية نقرأ العبارة الآتية: «إلى اين؟»
بالطبع لا يوجد فى الفيلم راوية مثلما هو موجود فى النص الأدبى لكن الفيلم أضاف الكثير من الشخصيات والحكايات مثل شخصية العاهرة التى جسدتها فى الفيلم رجاء يوسف التى تتوب على يدى الشيخ وتتبعه فى أكثر من مكان.