فاصل استبداد صينى - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاصل استبداد صينى

نشر فى : الأحد 2 يناير 2022 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 2 يناير 2022 - 8:25 م
لا تختلف كثيرا مبررات القمع التى تسوغ بها أنظمة الحكم الديكتاتورى استخدام العنف والبطش ضد شعوبها سواء كانت دولا غنية أو فقيرة، فكلشيهيات «الإضرار بالأمن القومى، والحفاظ على الدولة من المؤامرات الخارجية، ودعم الاستقرار.. إلخ»، هى مدخل تلك الأنظمة للاستفراد بالسلطة.
بدعوى الإضرار بالأمن القومى، والتآمر مع قوى خارجية، داهمت قوات الأمن الصينية الأسبوع الماضى مقر موقع «ستاند نيوز» الإخبارى فى مدينة هونج كونج، وألقت القبض على عدد من الصحفيين فيه.
وبسبب «الأوضاع الراهنة» أعلنت إدارة «ستاند نيوز»، إغلاق الموقع الذى يعد آخر منصة إخبارية مستقلة تسمح بنشر محتوى صحفى مؤيد للديمقراطية فى هونج كونج بعدما كانت المدينة مقرا لعدد من المنصات المؤيدة للحراك الشعبى والاحتجاجات التى اندلعت عام 2019 للمطالبة بالديمقراطية فى الجزيرة.
لم يكن «ستاند نيوز» هو الموقع الوحيد الذى أُغلق فى هونج كونج، فقبل شهور قليلة تم الحجز على حسابات صحيفة «أبل ديلى» ما أدى إلى إغلاقها.
وبذلك تكون هونج كونج قد ودعت تماما حقبة حرية الصحافة، بعد أن أحكمت بكين الحصار على المنصات الإعلامية فى المستعمرة البريطانية السابقة التى كانت وسائل إعلامها تتمتع بقدر كبير من الاستقلال والحرية.
إثر احتجاجات 2019 التى قمعتها قوات الأمن، فرضت بكين قانون «الأمن القومى» على هونج كونج، والذى يسمح لها باتخاذ إجراءات استثنائية من بينها الاعتقال والحجز على الأموال ضد أى مواطن يعارض أنشطة الحكومة المركزية أو يعزز النزعة الانفصالية للجزيرة.
فى تقريرها الأخير وصفت منظمة «مراسلون بلا حدود» الصين بأنها أكبر خاطفة للصحفيين فى العالم، إذ يقبع فى سجونها أكثر من 127 صحفيا من إجمالى 488 صحفيا مسجونا فى العالم، وحسب تقرير المنظمة فإن الصين تحتل المرتبة الـ 177 فى تصنيف يضم 180 دولة فيما يخص حرية الصحافة أى أنها متقدمة بمركزين فقط عن كوريا الشمالية التى تعد أحد أشنع الديكاتوريات القائمة حاليا.
فى 2019 أيضا ألزمت بكين الصحفيين الصينيين باستعمال تطبيق «Study Xi» والذى خلص مهندسو الأمن السيبرانى أنه قادر على تجميع المعطيات الخاصة للمستخدم، وتشغيل مايكروفون الجهاز المحمل عليه دون معرفة صاحبه للتنصت عليه.
صحيفة «تايمز» البريطانية نشرت تقريرا فى أكتوبر الماضى يفيد بأن السلطات الصينية ستلزم أكثر من 200 ألف صحفى بتلقى تدريب لمدة 90 ساعة على الأقل من التدريب المستمر كل عام؛ للتيقن من أنهم «ملتزمون سياسيا ومتفوقون مهنيا، ويمتثلون الخط العام للحزب الشيوعى الصينى».
تقرير الصحيفة الذى استند إلى وثيقة صادرة عن «الإدارة الوطنية للصحافة والنشر فى الصين»، أشار إلى أنه فى عام 2019، وعندما توجه الصحفيون لتجديد بطاقاتهم الصحفية، طُلب منهم أن يجتازوا اختبارا فى أفكار الرئيس الصينى، شى جين بينج، وتضمن الاختبار أسئلة حول توجيهاته الخاصة بالدعاية العامة للدولة. «الآن بعد عامين، تقول بكين إن هؤلاء الصحفيين لايزال عليهم أن يصقلوا معرفتهم بأفكار الرئيس شى، وأن يتابعوا توجيهاته أولا بأول».
النموذج الصينى فى التعامل مع الصحافة والذى تتبناه بأشكال مختلفة معظم الدول التى تحكمها أنظمة مستبدة، هو نموذج ساقط بامتياز مهما طال الزمن ومهما كانت قوة الأنظمة وعنفها وجبروتها، ففى النهاية ستفرض الحقائق نفسها، وسيطفو على السطح كل ما حاول سدنة الظلام أن يبقوه فى الأعماق.
نجح النظام الصينى وغيره من الأنظمة الديكتاتورية فى إشاعة الخوف وإرهاب الناس وإخفات صوت الحقيقة، لكن هل من الممكن أن يستمر هذا الحال؟ من سنن التاريخ أن صبر الناس على القمع والاستبداد قد يطول لكنه لا يستمر إلى ما لا نهاية، فالانفجار على تلك الأوضاع نتيجة حتمية ومنطقية، فكلما زاد الضغط وأغلقت كل النوافذ وتعددت المظالم اقتربت ساعة الحساب.
يعتقد البعض أن معادلة «الخبز مقابل الحرية» التى تتبعها بعض الأنظمة الاستبدادية ومنها النظام الصينى، قادرة على الصمود فى عصر الفضاء الإلكترونى المفتوح، تلك المعادلة وأن كانت قد صمدت لعقود، ستتداعى وتنتهى صلاحيتها بفعل تطلع الأجيال الجديدة إلى واقع مختلف صنعته شعوب بلاد أخرى استطاعت أن تحقق التنمية والتقدم والاستقرار عبر سياسات المشاركة والتعددية وتداول السلطة بديلا عن سياسات الصوت الواحد والحزب الواحد والزعيم الأوحد.
سقوط النموذج الصينى وأشباهه حتمية تاريخية منطقية، فعدوى الديمقراطية ستسرى فى دول العالم المتخلفة عن الركب ولن تتمكن أدوات الطغيان من التصدى لها.
التعليقات