تناولت بعض المواقع والصحف الأجنبية والعربية محاولات حركة طالبان المستميتة لإقصاء النساء وعزلهن فى المنزل بدءا من الإجبار بارتداء زى ذى مواصفات خاصة وإلا تعرضن للعقاب وصولا إلى محاولاتهم غير المنتهية لحرمان المرأة من حقها فى التعليم.. نعرض ما جاء فى المواقع والصحف فيما يلى. أشارت أقصى رشيد فى مقالها على موقع Eurasia Review إلى إرسال قيادة طالبان فى أفغانستان رسالة إلى جميع المؤسسات العامة والخاصة تأمرها بوقف تسجيل النساء فى الجامعات حتى إشعار آخر. لم يكتفِ طالبان بإصدار الأوامر الورقية بل اتخذت منهج العنف سبيلا لإبعاد المتظاهرات ــ اللائى تظاهرن من أجل نيل حق من حقوقهن المسلوبة ألا وهو التعليم. وسبق هذا القرار العنصرى، أوامر للجامعات للاحتفاظ بفصول دراسية منفصلة للطلاب والطالبات بعد أن سيطرت إدارة طالبان على أفغانستان فى أغسطس، وكأن الحركة كانت تسن سلاحها لتسديد طعنة أخرى للمرأة.
امتد ظلم وعدائية طالبان للمرأة العاملة على سبيل المثال، فى العديد من المناصب الحكومية عُرض على النساء أجر للبقاء فى المنزل بدلا من العمل. وقد دفع هذا التقييد المجتمع الدولى إلى التفكير سلبا فى أفغانستان، الأمر الذى سيزيد من صعوبة اكتساب طالبان للشرعية الدولية من أجل إدارتها.
أثار قرار طالبان بمنع النساء من استكمال مرحلة التعليم العالى انتقادات من الدول الإسلامية، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر. كما غرد راشد خان، لاعب الكريكيت، «دع الإناث الأفغانيات يتعلمن»، إضافة إلى موقف بعض الأساتذة والرياضيين الداعم لحق المرأة فى التعليم، فإذا تم إغلاق هذا الباب التعليمى ستعانى أفغانستان من تداعيات خطيرة.
وفيما يتعلق بمسألة منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس، فإن قيادة طالبان منقسمة؛ البعض يؤيده والبعض الآخر يعارضه. تفعل طالبان كل ما بوسعها لعزل النساء عن الحياة من منع من السفر لأكثر من 48 ميلا، أو الذهاب إلى أماكن عامة أخرى بدون وصى ذكر، أو العمل من أجل دخل ضئيل. وبررت طالبان ذلك بادعائها أنها تحمى كرامة المرأة ومصالحها الوطنية على حد سواء. لذا من الطبيعى أن تنتهج حركة بهذه العقلية العنف كوسيلة لإفشال المظاهرات النسائية ضد حظر التعليم.
من جانب منظمات الحقوق المدنية والداعمة لحقوق المرأة طالبت حركة طالبان بإعادة مراجعة هذا القرار بتروٍ لما يترتب عليه من نتائج لا تحمد عقباها.
كما تناولت صحيفة The global and mail الكندية هذا الأمر بإسهاب أكثر فى مقال للكاتبة شيما خان، أشارت الكاتبة إلى عودة تبنى طالبان سياسات لتهميش المرأة منذ عودتهم لسدة الحكم العام الماضى.
أردفت الكاتبة القول بأن طالبان سمحت للنساء بحضور المحاضرات الجامعية فى فصول دراسية منفصلة بين الجنسين مع مدربين من الإناث أو كبار السن فى خريف عام 2021، مضيفة أنه تم فرض قواعد اللباس التى تتطلب ملابس فضفاضة والحجاب. ثم فى الربيع الماضى، ألغت طالبان وعدا بالسماح للفتيات بالالتحاق بالمدرسة الثانوية. بعد فترة وجيزة، أُمرت جميع النساء الأفغانيات بارتداء النقاب فى الأماكن العامة، وطُلب منهن عدم مغادرة منازلهن ما لم يكن ذلك «ضروريا»، ومُنعن من السفر بدون قريب رجل.
من المثير للعجب أن الحركة التى تدعى تطبيق الإسلام، لا تمت قراراتها لتعاليم الإسلام أو أى دين سماوى بصلة. بالتالى لا يوجد أساس دينى لهذا القرار بمنع تعليم الإناث فى أفغانستان. فكان الوحى الأول للقرآن هو الأمر «اقرأ!» فهو يحثّ التابعين أن يفكروا ويدرسوا العالم الطبيعى. فإن التاريخ الإسلامى ملىء بالباحثات والقضاة. ووفقا لليونسكو، إن أقدم جامعة فى العالم هى القرويين فى فاس بالمغرب التى تم بناؤها فى البداية فى القرن التاسع من قبل فاطمة الفهرى التى تلقت تعليما عاليا فى الفقه الإسلامى.
لذا أعربت منظمة التعاون الإسلامى ــ نيابة عن الدول الأعضاء فيها البالغ عددها 57 دولة ــ عن «إحباطها العميق». ولم يكتفِ مجلس التعاون الخليجى بإدانة القرار باعتباره انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان، بل أشار أيضا إلى أن حرمان المرأة من التعليم يمكن أن «يقضى على المستقبل الاقتصادى لأفغانستان، ويُوصل بنصف شعبها إلى حياة الفقر والجهل». إن منع النساء من استكمال تعليمهن لا يمثل «مصلحة وطنية» بل كارثة وطنية.
• • •
من جانب الصحافة العربية، تناولت الكاتبة نجاة السعيد فى مقال نُشر لها على صحيفة الاتحاد الإماراتية أن إدانة قرار طالبان بمنع النساء من استكمال مرحلة التعليم العالى ليست كافية، مشيرة إلى أن المعاملة الرجعية للنساء من قبل طالبان ليست حديثة العهد، فمنذ عام 1996 كانت معاملتهم مع النساء رجعية، على سبيل المثال منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس، وإذا خالفن تلك القواعد يتم جلدهن أو إعدامهن علانية؛ لكن الذى أثار دهشة الكاتبة هو موقف المجتمع الدولى، فما الذى كان يتوقعه من حركة «طالبان» عندما انسحبت أمريكا من أفغانستان بهذه الطريقة المخجلة والتى بدت كأنها استسلام وليس انسحابا؟
لقد ذكر الكثير من المحللين أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان اعتبر فاجعة سياسية لأن زمام الحكم سلم إلى نفس القوة التى شن الحرب عليها وهذا كان بمثابة النصر للحركات المتشددة لأنه عزز من فكرهم ونهجهم، وفى المقابل هذا الانسحاب صعب الوضع على الدول التى تعانى من تلك الجماعات لأن هذا سيجعل من أفغانستان مركزا للإرهاب مرة أخرى، وبالتأكيد سيزيد من عجرفة طالبان ووحشيتها ضد شعبها، وخاصة النساء. وهذا ما وجدناه فى مقابلة وزير التعليم العالى فى حكومة حركة «طالبان»، نداء نديم، ورفضه لكل تلك الإدانات الدولية وكذلك الإدانات من الدول المسلمة، وندد بأن الأجانب يجب أن يتوقفوا عن التدخل فى الشئون الداخلية لأفغانستان، معللا سبب حظر التعليم للإناث أنه مخالف للقيم الإسلامية والأفغانية، وأن النساء لم تلتزم بقواعد اللباس فى الجامعة، وهناك بعض المواد لا تصلح للنساء مثل الزراعة والهندسة. وأضاف بمجرد إصلاح هذه الإشكاليات، الجامعات ستفتح أبوابها للنساء، لكن «طالبان» قدمت وعودا مماثلة بشأن دخول الفتيات إلى المدارس الثانوية ولم تلتزم بها إلى الآن.
إن كل ذلك يدل على أن الإدانات لوحدها لا تكفى لمنع «طالبان» من حظرها تعليم الفتيات، والخيارات الآن محدودة وهى محاولة لحلحلة سيطرة «طالبان» فى هذه المرحلة ودفعها نحو الوسط. ولا يوجد أمام الولايات المتحدة إلا الضغط على حركة «طالبان» اقتصاديا كى تعدل من سياساتها فى مسألة تعليم الفتيات.
وختاما، لن يكون قرار حظر التعليم هو المحاولة الأخيرة من طالبان لتقويض حرية المرأة طبقا لتاريخ الحركة الحافل بالعدوانية ضد المرأة، لذا يجب على المنظمات الحقوقية الدولية التعاون لتجنيب المرأة المزيد من بطش تلك الحركة الغوغائية.
ترجمة وتحرير: وفاء هاني عمرنصوص المقالاتhttps://bit.ly/3PXOKD0https://bit.ly/3FTramchttps://bit.ly/3G1wXpN