قضت محكمة جنايات القاهرة الأسبوع الماضى بإحالة أوراق 26 متهما إلى مفتى الجمهورية، بتهمة تشكيل خلية إرهابية استهدفت قناة السويس فى الفترة من 2004 إلى 2009، وذلك حسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية. هذا خبر مزعج بكل تأكيد كما يجب أن يكون أى خبر متصل بإصدار أحكام إعدام خاصة فى ظل وضع تغيب فيه أبسط شروط العدالة وحقوق المتهم وخاصة حين يطال هذا الحكم هذا العدد الضخم من الأشخاص. ويذكر أن حكما بالإعدام بالجملة قد صدر فى العام الماضى بحق 21 متهما فيما يعرف بـ«مذبحة بورسعيد»، ثم قضت محكمة النقض فى 6 فبراير 2014 بقبول طعن 34 من المحكوم عليهم بالإعدام والسجن والمؤبد وإعادة المحاكمة.
•••
ربما يبدو فتح الحوار حول هذا الموضوع ضربا من العبث فى وقت تتزايد فيه أخطار الإرهاب، وتتزايد معها فكرة ان اجتثاث الإرهاب من جذوره يكمن فى ترهيب الإرهابيين عن طريق التوسع فى إصدار أحكام الإعدام. قد يبدو والحال هكذا أن الوقت غير مناسب على الإطلاق للدعوة لوقف العمل بهذه العقوبة أو حتى مجرد التفكير فى جدواها كرادع للجريمة والإرهاب. ورغم أن هذه الدعوة تتناقض مع مطلب شعبى جارف إلا أن هذا السبب تحديدا هو ما يجعل الوقت مناسبا تماما لفتح النقاش حول هذا الموضوع الخطير ويجب أن تكون لنا وقفة قبل أن تصبح أحكام الإعدام بالجملة شيئا اعتياديا.
•••
لم تطرح هذه القضية للنقاش العام من قبل فى مصر على عكس العديد من الدول الأخرى والتى تحظى فيها باهتمام واسع وتتحدد على أساسها مواقف سياسية وأخلاقية أساسية بل وتتحدد على أساسها المراكز الدولية للبلاد. ويذكر أن ثلثى بلاد العالم الآن قد ألغت هذه العقوبة أو أوقفت العمل بها عمليا، ومنها دول عربية وإسلامية مثل الجزائر والمغرب اللتين لم تنفذا أية عقوبة إعدام منذ 1993، وموريتانيا التى لم تنفذها منذ 1987 وذلك حسب تقارير منظمة العفو الدولية.
لم تطرح هذه القضية للنقاش العام فى مصر ولم يأخذ المجتمع فرصته فى التفكير الجدى فيها. الإعدام عقوبة نهائية لا رجعة فيها، بمعنى أنه لا يمكن تدارك الأمر وإعادة الإنسان إلى الحياة إذا ما تبين براءته لاحقا. يدفع المناهضون لهذه العقوبة فى بلاد أخرى بعدم جدواها كرادع للجريمة، بل على العكس فشيوعها يؤدى إلى اعتياد المجتمع على العنف، وينطبق ذلك بصفة خاصة على عدم جدواها فى مكافحة العمليات الإرهابية فكيف مثلا يرتدع بتلك العقوبة من هو على استعداد لتفجير نفسه للقيام بعملية انتحارية؟. وإلى جانب عدم جدواها كرادع فنحن لدينا سبب إضافى للتفكير الجدى فى تعليق هذه العقوبة، حيث إن وجود أبرياء فى السجون ليس افتراضا نظريا بل هو واقع أليم يجب ألا نعتاده هو الآخر. فلا سبب لدينا للاطمئنان إلى إجراءات سير العدالة خاصة فى ظل نظام يعتمد التعذيب الممنهج كوسيلة حكم. ليس الأمر كما فى الأفلام، حيث يواجه المحقق المتهم الجالس أمامه بالأدلة ويفحمه بدليل لا لبس فيه أو شهادة قوية فينهار المتهم تحت وطأة الحجة الدامغة. فى مصر ينهار المتهم تحت وطأة الصعق بالكهرباء أو إطفاء السجائر فى جسده أو التهديد باغتصاب زوجته أو أمه. فى ظل التعذيب الممنهج الاعتراف ليس سيد الأدلة. وعار على المجتمع أن تدفعه بشاعة الجريمة إلى التغاضى عن كيفية استخراج الاعترافات التى قد تفضى بالمتهم إلى حبل المشنقة.
•••
فى فترة الفوضى والاضطراب التى نعيشها يجب أن ننتبه بشكل خاص إلى الإجراءات التى ينتج عنها خسائر لا تعوض والتى ترتب آثارا لا رجعة فيها. نحن ننتفض مثلا ــ وعن حق ــ دفاعا عن مبانينا الآثرية التى تتعرض للهدم وعن أراضينا الزراعية التى تتعرض للتبوير فهذه خسائر فادحة لن تعوض. لا خسارة أفدح من إزهاق أرواح قد تكون بريئة. لماذا إذن يبدو غريبا إذا ما طالبنا بتعليق عقوبة الإعدام ولو لفترة حتى نطمئن إلى زوال التعذيب من حياتنا وإلى استقرار منظومة عدالة تتميز بالكفاءة والاحترام.