تحت هذا العنوان، راح عدد من الخبراء المرموقين فى السياسة والاقتصاد، يقيمون فترة ولاية مبارك الأولى التى انتهت فى أكتوبر 1987، ضمن تقرير صحفى طويل أجريته وقتها لصالح مجلة عربية كانت تطبع فى لندن وتوزع فى القاهرة والعديد من العواصم العربية.
كانت كلمات التفاؤل تنهمر من أفواه من تحدثت إليهم، وإن لم يغفلوا بعض السلبيات التى راهن هؤلاء الخبراء على تجاوزها مع الأيام وشعور مبارك بأنه بات أكثر ثقة وخبرة فى التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت تمر بها مصر فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين.
يومها استدعى الخبراء مشهد المنصة الشهير فى 6 أكتوبر 1981، حيث لطخ رذاذ دم الرئيس الراحل أنور السادات بزة مبارك المرصعة بالنياشين والنجوم الذهبية أثناء حضوره العرض العسكرى، إلى جوار قائده، فيما كان مئات المعارضين ورموز الحركة الوطنية من مختلف التوجهات السياسية يقبعون فى السجون، وقارنوه بإفراج الرئيس الجديد عن خصوم سلفه، بل واستقبال بعضهم فى القصر الجمهورى لفتح صفحة جديدة.
لم يغفل الخبراء، أيضا، سعى مبارك إلى تحسين البنية التحتية المتهالكة، والعمل على عودة مصر إلى محيطها العربى بعد نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس نتيجة الخلافات التى دبت بين القادة العرب والسادات إثر زيارته المشئومة إلى القدس المحتلة وتوقيعه معاهدة الصلح مع الكيان الصهيونى.
هذه الصورة الإيجابية فى مجملها فى بداية حكم مبارك، تحولت إلى النقيض عقب بقائه فى الحكم نحو ثلاثين عاما، قبل أن يصبح الرئيس المخلوع بثورة شعبية عمت الميادين والساحات من جنوب مصر إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها، بعد أن «شاخت السلطة على مقاعدها» بتعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.
ولأن من بقوا على الولاء من فلول مبارك، ومن تأرجحوا بين الانقلاب على الرجل يوم سقوط نظامه، والبكاء على رحيله، مع حفنة من الفلول الجدد الذين هرولوا لتقديم «واجب العزاء» بعد وفاته، قد تناولوا بالشرح والتحليل «ما له» من أفضال عليهم، من حقنا الحديث عن بعض «ما عليه» من سيئات دفع ثمنها على الأقل جيل الثمانينيات الذى أنتمى إليه، حتى يستقيم المشهد، ولا تختل الصورة فى نظر الأجيال القادمة عندما تعود إلى ما خطته صحفنا، وما ستحتفظ به الشرائط المصورة.
بدأ مبارك حكمه عام 1981 بالإفراج عن المعارضين السياسيين، لكنه عاد بعد ذلك إلى سيرة السادات الأولى، بل وتفوق على أستاذه بخطف المعارضين وإلقائهم فى الصحارى عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، «الكاتب الصحفى عبدالحليم قنديل نموذجا»، أو تعذيبهم فى السجون والسخرية من اقتراحاتهم للإصلاح فى لقاء المثقفين بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، «المفكر الراحل محمد السيد سعيد نموذجا».
جلس مبارك فوق كرسى العرش، وسعى لتوريث نجله، عبر انتخابات مزورة، وعندما فاق الأمر كل تصور فى انتخابات مجلس الشعب أواخر 2010، وشكل عدد من رموز المعارضة برلمانا موازيا قال جملته الشهيرة استخفافا بهم: «خليهم يتسلوا».
بالفساد والإفساد تغذى نظام مبارك، ولعل البنية التحتية التى قد يضعها البعض فى ميزان ايجابياته دليل اتهام، والطريق الدائرى ومحاوره بما يعتريها من عيوب وثقوب تحصد الأرواح يوميا تتولى الرد، مع غيرها من مشروعات ثبت عوارها، كما أن الحكم النهائى بسجنه فى قضية القصور الرئاسية يؤكد فساد المخلوع شخصيا.
أورثنا مبارك نظاما تعليما هو الأسوأ، ووضعا صحيا تسبب فى موت الملايين بالسرطان، وأمراض الكبد التى احتاجت إلى مبادرات رئاسية لعلاج ضحاياها، كما ترك بصمته على رقعة سكان المقابر والمناطق العشوائية الخطرة التى تسعى الدولة الآن للتخلص من ميراثها السيئ، وحكم بنظام اقتصادى رفع منسوب الفقر، وسحق الطبقة الوسطى، وفتح باب هجرة العقول على مصراعيه هربا من واقع مؤلم لا يقيم للكفاءة وزنا، ويعتمد المحسوبية والوساطة عنوانا للتوظيف والترقى.
هذا غيض من فيض يزخر به سجل مبارك الأسود الذين تتباكون على أيامه... ألا تخجلون؟!!!