أكبر تهديد لمستقبل أمريكا - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكبر تهديد لمستقبل أمريكا

نشر فى : الخميس 2 أبريل 2015 - 11:25 ص | آخر تحديث : الخميس 2 أبريل 2015 - 11:25 ص

نشرت صحيفة ذا نيويوركر الأمريكية مقالا للكاتب جون كاسيدى، يحاول من خلاله صرف الأنظار عن الانتخابات الإسرائيلية وتداعيات نتائجها، موجها إياها نحو ما قامت به بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، بالانضمام إلى بنك آسيا للاستثمار فى البنية التحتية. ويوضح كاسيدى أن البنك عبارة عن مؤسسة تنمية دولية جديدة، شكلتها الصين، وتستعد كى تصبح منافسا محتملا للبنك الدولى. مبينا أهمية البنك من خلال العودة بالتاريخ إلى الوراء. فبعد انهيار سوق الأسهم عام 1987، قال لى صديق يعمل فى وول ستريت: «لا تراهن ضد الولايات المتحدة». وعلى الرغم من أربعين عاما من ركود الدخل للعديد من الأمريكيين أبناء الطبقة المتوسطة، وزياد التفاوت فى الدخل على نحو صارخ، وتداعيات الكساد العظيم، لا يزال الاقتصاد الأمريكى هو الأكثر تقدما فى العالم.

وتزداد الإنتاجية فى الولايات المتحدة عنها فى أوروبا أو آسيا، الأمر الذى يعكس المخزونات الهائلة من الثروات الطبيعية واليد العاملة الماهرة، والتكنولوجيا فى البلاد. ويقود البحث العلمى الأمريكى العالم، وفقا لأحد الاستطلاعات التى أجريت فى المملكة المتحدة، هناك خمس عشرة جامعة أمريكية من بين أكبر عشرين جامعة فى العالم. وتعتبر أسواق المال الأمريكية أكبر وأكثر سيولة من الأسواق المالية فى البلدان الأخرى، وعلى الرغم من التقدم فى أماكن مثل المملكة المتحدة وهونج كونج، لا يوجد حتى الآن منافس حقيقى لوادى السيليكون ووول ستريت عندما يتعلق الأمر برعاية الابتكار.

ويرى كاسيدى أنه بطبيعة الحال، وبينما تواصل الدول الأخرى، وخصوصا الآسيوية منها، النمو، سوف تتراجع حصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية، والناتج المحلى الإجمالى، والثروة. ولكن ذلك لن يعكس بالضرورة أى فشل من جانب أمريكا. وهذه هى نتيجة حتمية للعولمة وتطوير اقتصاد السوق الواحد العالمى. وحتى نحو عام 1990، وكان العديد من الدول الكبرى قد عزلت نفسها عن الرأسمالية العالمية والفرص التى تقدمها لانتقال رءوس الأموال والمعرفة. واليوم، صارت أوروبا الشرقية والصين والهند، وعلى نحو متزايد، أجزاء من أفريقيا، دولا فاعلة. ونتيجة لذلك، فإن الاقتصاد الأمريكى يبدو أقل حجما، من الناحية النسبية، مما كان عليه. ومع ذلك، مازالت أمريكا رقم واحد بكل المقاييس تقريبا.

•••

ويعرض كاسيدى أحد أسباب أهمية هذه التطورات، وهى أن القوة العسكرية والقوة الاستراتيجية تعكسان القوة الاقتصادية، على المدى الطويل. فقد بنيت الامبراطورية الرومانية، مثل غيرها من قوى الهيمنة القديمة الأخرى، على اقتصاد قائم أساسا على العبيد. وكانت البرتغال، وإسبانيا، وهولندا، فى ذروة عصرها الإمبراطورى، دولا تجارية كبيرة. وفى فترة زمنية معينة، غطت الإمبراطورية البريطانية، ربع اليابسة فى العالم تقريبا، وكانت تقوم على القطن والفحم والحديد والصلب وعلى صناعات الثورة الصناعية.

ولا يعنى غياب كارثة غير متوقعة، ألا يعانى عصر الهيمنة الأمريكية نفس النهاية المفاجئة التى شهدتها الهيمنة البريطانية. ولكن مع مرور الوقت سيواجه تحديا، الأمر الذى يثير سؤالا أساسيا: هل يمكن للنفسية الأمريكية، والنظام السياسى الأمريكى، التكيف مع واقع جديد تحتفظ فيه الولايات المتحدة بموقعها القيادى، من دون أن تستمتع بالهيمنة المطلقة؟ هناك ــ حتى الآن ــ بعض علامات مشجعة، والبعض الآخر مثير للقلق.

ويرى كاسيدى أنه من الجيد، أن العديد من الشعب الأمريكى انعزالى غريزيا. وعلى الرغم من انفاق الولايات المتحدة على الدفاع أكثر مما تنفقه جميع القوى الكبرى الأخرى مجتمعة، وتورطها باستمرار تقريبا فى الحروب، سواء بصورة معلنة رسميا أو غير ذلك، فإن معظم الأمريكيين يعارضون فكرة أن تكون لديهم إمبراطورية.

وإذا كان التحول إلى قيادة مشتركة للعالم يمكن أن يدار بشكل سلمى، وبطريقة لا تنطوى على إهانة كبرياء الولايات المتحدة، ربما يقبله معظم الأمريكيين. بينما تأتى مطالبات المسئولين الأمريكيين بأن يقوم حلفاء البلاد فى حلف شمال الاطلسى بتعزيز الإنفاق على الدفاع وتحمل جانب أكثر من العبء. وفى العراق، تعتمد الولايات المتحدة الآن على إيران ــ العدو ــ لنقل المعركة على الأرض إلى الدولة الإسلامية فى العراقو الشام، التى تعتبر فى حدها الأقصى مصدر إزعاج للولايات المتحدة، أكثر منها تهديدا وجوديا. ورغم أن الأمريكيين يعترضون على هذا الترتيب، إلا انهم يلتزمون صمتا غريبا حوله.

•••

ويأسف كاسيدى لتزامن الاعتراف واسع النطاق بأن أمريكا لا تستطيع أن تفعل كل شىء مع مجموعة من الافتراضات والممارسات التى عفا عليها الزمن، والتى تسبب ضررا كبيرا لمكانة الولايات المتحدة. وإذا لم يتم تحديث هذه الحلول الزائفة وأنماط السلوك، سوف ينتهى بها الأمر إلى ضرر أكبر بكثير. وفى الواقع، ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن التهديد الحقيقى لقوة ونفوذ أمريكا يأتى من داخل أمريكا نفسها، وتحديدا من نظام السياسى الذى يتزايد الخلل فيه.

وعلى سبيل المثال، لا يعتبر الخلاف الدبلوماسى عبر الأطلسى على بنك آسيا للاستثمار فى البنية التحتية، فى حد ذاته، مسألة ضخمة، وإنما مجرد مؤشر على ما سيأتى.

ففى يونيو من العام الماضى، أعلنت الصين أنها بصدد توسيع خططها لبنك تنمية دولية جديد، سيكون مقره فى بكين، ويتولى إقراض المال للاستثمارات البنية التحتية فى جميع أنحاء آسيا. حدث هذا بعدما تعرضت الصين مرارا لرفض جهودها الرامية إلى لعب دور أكبر فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، أكبر مؤسستين للإقراض، ومقرهما واشنطن، وقد أنشئتا بعد الحرب العالمية الثانية، وفى البنك الآسيوى للتنمية، الذى تأسس فى 1966، ومقره مانيلا.

ويشير كاسيدى إلى ما لعبه البنك الدولى وصندوق النقد الدولى منذ إنشائهما قبل سبعين عاما، من دور مهم فى تحقيق الاستقرار وإضفاء الشرعية على اقتصاد عالمى تهيمن عليه الولايات المتحدة، بما يعزز المصالح الأمريكية. وكان ينظر إليهما منذ فترة طويلة، فى العديد من البلدان الأخرى، على أنهما قناتان لوزارة الخزانة والبيت الأبيض. وقبل عشر سنوات على الأقل، مع تزايد أهمية آسيا فى الاقتصاد العالمى، أدرك المسئولون الأذكياء فى واشنطن، أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، وأنه ينبغى إصلاح البنك وصندوق النقد الدوليين، حتى يمكن المحافظة على نفوذهما. لكن وقف الجمهوريين فى الكونجرس أمام سياسات إدارة أوباما للإصلاح، وهو ما قدم للصينيين مبررا مثاليا يمكن على أساسه طرح مبادرتهم الخاصة؛ بنك آسيا للاستثمار فى البنية التحتية، وترويجها لدى دول غربية أخرى، حريصة على اجتذاب الصفقات التجارية الصينية والاستثمار داخل الصين.

ويعتقد كاسيدى أن التمويل الدولى مازال بعيدا عن المنطقة الوحيدة التى يقوض فيها تعنت الكونجرس وعناده مصالح الولايات المتحدة. مشيرا إلى الرسالة المفتوحة إلى طهران التى وقعها سبعة وأربعون من أعضاء مجلس الشيوخ. ولم يكن الغريب فى الرسالة مجرد رؤية فرع من فروع الحكومة الأمريكية يقول لقادة دولة خصم أن الرئيس، وممثلين الذين يتفاوضون معهم على الاتفاق النووى، سوف ينتهى أمرهم فى بضع سنوات. ولكن كان الشك فى أن هذه الاتصالات تمثل فى الأساس تفكيرا رديئا من خلال لفتة سياسية.

•••

ويؤكد كاسيدى أنه عندما يصبح الشلل السياسى مؤسسيا ويزيد مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدى إلى إضعاف الأمة. فقد ساعدت دسائس القصر (المصحوبة أحيانا بالحرب الأهلية) على تقويض الإمبراطورية الرومانية. وفى القرن الخامس عشر، اتخذت أسرة مينج فى الصين، بعد نوبة أخرى من الاقتتال الداخلى، قرارا مصيريا بالانغلاق على الذات وتجاهل العالم الخارجى. ولم تستطع فرنسا أبدا، وهى قوة عظمى فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، التوفيق بين المطالب المالية لنظام البوربون الملكى والحرب شبه المستمرة مع سلطة محاكم الاستئناف المحلية، والتى قاومت فرض ضرائب مرتفعة.

وظل النظام السياسى اللامركزى الأمريكى يمثل ميزة كبيرة لفترة طويلة، فى بلد يتمتع بموارد وفيرة ومساحة واسعة. وسمح بسياسات متلائمة مع الاحتياجات المحلية ومنع الدور المفرط للدولة، فى حين لا يزال يتيح تعبئة الموارد الكافية لتطوير وسائل النقل واسع النطاق ونظم التعليم العام، فضلا عن القنبلة الهيدروجينية، وبرنامج الفضاء، والإنترنت، والكثير غير ذلك.

وفى النهاية يفيد كاسيدى بأنه من الصعب القول بأن النظام السياسى الأمريكى يخدم البلاد جيدا. مع اشتداد المنافسة والتحديات العالمية الجديدة. وعلى الرغم من القوة الاقتصادية لأمريكا، فإن تصورها لدورها فى العالم، عفا عليه الزمن، وتعانى بنيتها التحتية تدهورا، ويتراجع أداؤها فى الرياضيات وغيرها من المجالات، على الرغم من الأداء الرائع فى أحدث الأبحاث العلمية. وهى تحتاج، على أقل تقدير، إلى الحفاظ على بعض اساليبها القديمة فى الحفاظ على السلطة، بما فى ذلك تعزيز المؤسسات التى يمكن من خلالها ممارسة «القوة الناعمة» وجذب المهاجرين الموهوبين والعمالة الجادة، التى تزودها بمهارات ومشروعات لا تقدر بثمن.

التعليقات