سنة 2003 كان السنة التى حصلت فيها على درجة الدكتوراه وقد أرسلنى مشرفى للدكتوراه لحضور عدة مؤتمرات فى التخصص إما لتقديم بحث أو لحضور مناقشات الأبحاث المقدمة، فى البداية كنت مسرورا بهذا الأمر لأنه يعنى السفر مجانا (من ميزانية أبحاث الأستاذ المشرف) لعدة أماكن، بعد ذلك أخذنى بعض الانبهار حيث رأيت كبار الباحثين فى مجالى والذين كنت أقرأ أبحاثهم وكتبهم. مقالنا اليوم عن المؤتمرات العلمية وأهدافها ومتى يكون المؤتمر ناجحا. سنتكلم عن المؤتمرات العلمية الأكاديمية فقط والتى يتم تنظيمها أساسا لمناقشة الأبحاث العلمية المقدمة ولن نتكلم عن المؤتمرات الصناعية التى يجتمع فيها أهل صناعة معينة لعرض أفكارهم ومناقشة أحوال الصناعة.
الذين يعملون بالبحث العلمى ينشرون أبحاثهم إما فى المجلات العلمية أو المؤتمرات العلمية، فى أغلب التخصصات المجلات العلمية تعتبر أقوى من المؤتمرات إلا فى بعض التخصصات القليلة منها هندسة وعلوم الحاسبات حيث توجد بعض المؤتمرات أقوى كثيرا من المجلات العلمية، وكلمة «أقوى» هنا تعنى أن الأبحاث تكون محكمة بطريقة أفضل وعن طريق عدد أكبر من المحكمين وبالتالى الأبحاث المنشورة تكون أفضل علميا. فى التخصصات الأخرى المجلات العلمية أقوى من المؤتمرات وتكون الأبحاث المنشورة فى المؤتمرات إما نسخة أولية من بحث سيجد طريقه للمجلات العلمية المعتبرة عندما يختمر أو فكرة بسيطة لا ترقى لمستوى المجلات. طبعا التحكيم سواء فى المجلات أو المؤتمرات ليس بدون أخطاء وهناك أبحاث رُفضت من مجلات مرموقة وكانت تلك الأبحاث نفسها سببا فى حصول أصحابها على جوائز نوبل فيما بعض، وببحث صغير على الإنترنت عن هذا الموضوع ستجد قوائم طويلة لتلك الأبحاث.
إذا فالمؤتمرات العلمية الأكاديمية هدفها تقديم أبحاث علمية ومناقشتها، لكن مع مرور الوقت أصبح للمؤتمرات العلمية أهداف أخرى.
فى المؤتمرات الدولية الكبرى يكون مسرح الأحداث ليس القاعات التى تناقش بها الأبحاث المقدمَة لكن الممرات خارج تلك القاعات بالإضافة إلى قاعات الطعام واستراحات القهوة لأنه فى تلك الأماكن يتقابل الباحثون ويتناقشون نقاشا حرا ليس مرتبطا ببحث معين ومن تلك المناقشات قد ينشأ تعاون بينهم أو فكرة بحث جديد، هناك مثل يقوله الأمريكيون عن ذلك وهو «إحضار النجوم فى مكان واحد حتى تظهر الومضة أو البريق» أى حتى تظهر فكرة جديدة. ومن أشهر المؤتمرات التى تدل على ذلك هو المؤتمر الذى عقد فى بلجيكا فى أكتوبر سنة 1927 حيث حضره 29 شخص منهم 17 حصلوا وقتها أو سيحصلون بعدها على جائزة نوبل فى الفيزياء أو الكيمياء ومن ضمن الحضور أسماء مثل ألبرت أينشتاين ومارى كورى وإيروين شرودنجر ونيلز بور وورنر هايزنبرج إلخ وهى أسماء يحفظها دارسو الفيزياء عن ظهر قلب. بل إنه فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات يتم ضم عدة مؤتمرات مع بعضها كل أربع سنوات حيث إن كل مؤتمر منها يعتبر القمة فى تخصصه الدقيق مثل مؤتمر لتصميم الحاسبات وآخر للغات البرمجة وثالث للخوارزميات، أقول يتم ضمها مع بعضها فى مؤتمر واحد كبير كل أربع سنوات حتى يتناقش الباحثون فيما بينهم وقد تظهر أفكار تشمل عدة تخصصات دقيقة.
أصبح بعض الناس خاصة فى السلك الأكاديمى يفتخر برئاسته للمؤتمرات أو بإنشاء مؤتمرات وهذا وإن كان يدل على المقدرة التنظيمية للشخص أو الأشخاص المسئولين عن المؤتمر إلا أنه لا يدل بتاتا عن المقدرة العلمية لأن تنظيم مؤتمر علمى لا يدل على أنك الأفضل علميا.
أصبحت المؤتمرات الأكاديمية فى كثير من الجامعات تنظم فقط من أجل ترقية الأساتذة ولا أحد يحضر مناقشة الأبحاث التى يكون مستواها ضعيفا فى أغلب الأحيان، طبعا هناك استثناءات لكنى أتكلم عن الغالب الأعم.
للأسف هذا معناه أن النشر هو الهدف والترقية هى الهدف الأسمى وليس العلم والتعلم.
هناك عدة أسئلة متعلقة بالمؤتمرات العلمية عندنا فى مصر: هل من الأفضل أن تنظم كل جامعة مؤتمرها الخاص حتى يقال إن تلك الجامعة أو الكلية نظمت مؤتمرا أم الأفضل أن تتعاون الكليات المتشابهة فى عدة جامعات لتنظيم مؤتمر واحد كبير؟ هل يتم التحكيم فى تلك المؤتمرات بطريقة مُحكمة بحيث يُحَكّم البحث الواحد عدة محكمين لا يعلمون أسماء المؤلفين ولا يعلم المؤلفون أسماء المحكمين؟ هل نستثمر الأماكن السياحية عندنا لتنظيم مؤتمرات علمية بها؟ هل تساهم الشركات والمؤسسات الكبرى فى تمويل المؤتمرات العلمية؟ الإجابة عن تلك الأسئلة ستساعدنا على تحسين مؤتمراتنا وستكون قاطرة تدفع بالبحث العلمى عندنا للأمام.