تحولت الجلسة العامة لمجلس النواب التى حضرها وزير النقل كامل الوزير «بناء على طلبه» الأسبوع الماضى، إلى مولد دعم وتأييد، فالسادة أعضاء المجلس الموقر الذين أقسموا على رعاية مصالح الشعب، أعلنوا عن مبايعتهم للمسئول الأول عن مرفق السكة الحديد والذى شهد خلال الشهر المنقضى العديد من حوادث القطارات والتى سقط فيها عشرات القتلى والمصابين من أبناء الشعب المصرى.
وبدلا من أن يسأل السادة النواب الوزير ويحاسبوه سياسيا على سوء إدارة مرفق السكة الحديد الحيوى والذى عرض حياة عشرات الآلاف من مرتاديه للخطر خلال العامين الماضيين، استقبلوه استقبال الفاتحين، وفتحوا له مكاتبهم قبل أن يبدأ فى إلقاء بيانه تحت القبة.
استعرض الوزير خلال تلك الجلسة فى بيانه إنجازات وزارته، وشرح خطته لتحديث السكة الحديد، وعوضا عن إعلانه تحمل مسئولية ما جرى ويجرى ويضع مصيره أمام نواب الشعب، ألقى بالمسئولية على «بعض صغار الموظفين العاملين فى السكة الحديد من الكسالى ومدمنى المخدارت وأصحاب الأفكار الملوثة المدفوعين من عناصر متطرفة لا تريد لمصر الأمن والأمان والسلام»، مطالبا بتعديل تشريعى يسمح بفصل العناصر التى «يثبت ارتباطها بالأنشطة المتطرفة والإثارية وتعاطى المخدرات».
وكما رفع أحد وزراء الأوقاف التكليف عن الرئيس الراحل أنور السادات تحت قبة البرلمان نهاية سبعينيات القرن الماضى، باعتباره الرجل الذى رفع مصر إلى القمة، وقال الوزير الشيخ فى أحد اجتماعات المجلس: «لو كان لى فى الأمر شىء لحكمت لهذا الرجل ألا يُسأل عما يفعل»، رفع أعضاء مجلس النواب الحالى التكليف عن وزير النقل، وأعلنوا تضامنهم معه فيما جرى.
النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب الذى دخل فى مشادة على الهواء مع الإعلامية لميس الحديدى عقب حادث قطار طوخ الأخير، بسبب دعوتها لمساءلة وزير النقل فى البرلمان، قال خلال الجلسة: «بصفتى نائبا فى لجنة النقل أنا مسئول أمام الله والشعب عن أرواح المواطنين والذين توفوا ومسئول مع الوزير عن إصلاح المنظومة»، مؤكدا على «حالة التقدير التى يكنها للوزير».
المعنى ذاته أعاده وكيل اللجنة وحيد قرقر خلال كلمته، وزاد عليه بتقديمه الاعتذار وتحمل المسئولية مع الوزارة فى كيفية إدارة وإصلاح السكة الحديد، «الإقالة ليست الحل.. وضعنا أيدينا على المشكلات الموجودة.. كلنا مسئولون مع الحكومة والوزير فى إصلاح هذه المنظومة».
أما عضو اللجنة الموقر محمود الضبع والذى بدأ كلمته بالآية القرآنية «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، فثمن جهود القيادة السياسية، وشدد على تقديره ومبايعته وتأييده لجهود وزير النقل، وقال لا فُضَّ فُوه: «إنجازاتك فوق رءوسنا لابد أن نقدرها.. سر على بركة الله ومن سار على الدرب وصل وأنت تعلم أن البلد مستهدف من الفئة الضالة لكن لن ينال أحد منك يا مصر وستبقين أبد الدهر».
الأصل أن يُسائل نواب الشعب وزراء الحكومة ويستجوبوهم عن «الشئون التى تدخل فى اختصاصاتهم»، وفق ما نصت عليه مواد الدستور الذى أقسم على احترامه هؤلاء، لكن لأننا فى وضع اختلطت فيها الأدوار وتاهت بها الحقوق والواجبات، خرج الوزير من جلسة البرلمان التى تلت العديد من الحوادث الدامية، مدعوما مؤيدا منصورا بإذن السادة نواب المجلس الموقر.
منذ نحو قرن ونصف ناضل المصريون حتى يتضمن أول دستور فى التاريخ المصرى مادة تعطى الحق لأعضاء البرلمان فى مساءلة الحكومة وإقرار الميزانية، وبعد معركة استمرت أسابيع سقطت خلالها حكومة شريف باشا التى تحفظت على تلك المادة، خرج دستور 1882 الذى عرف بـ«اللائحة الأساسية» به نص صريح يمنح النواب الحق فى استجواب الحكومة وسحب الثقة منها، وها نحن ذا وبعد تلك السنوات، يقف النواب أمام وزير لاحقته اتهامات التقصير ليثبتوه ويدعموه، بل ويعتذروا له ويتحملوا المسئولية بدلا منه.