مقر الحزب الوطنى احترق يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ وفى ١١ فبراير تنحى حسنى مبارك رئيس الحزب عن الحكم، وفى ١٦ أبريل ٢٠١١ حكم القضاء الإدارى بحل الحزب، وقبل أسابيع قليلة قررت محافظة القاهرة هدم مقر الحزب الواقع خلف المتحف المصرى فى ميدان عبدالمنعم رياض.
السؤال الجوهرى هو: بعد كل هذا التاريخ الدرامى متى يتم التخلص من الرموز التى أوصلت مصر إلى هذه الحالة المزرية؟!.
محمد أنور السادات ترأس حزب مصر عام ١٩٧٧ بعد عام واحد من تجربة المنابر الثلاثة عام ١٩٧٦، وفى عام ١٩٧٨ قرر فجأة حل الحزب وتأسيس حزب جديد اسمه الحزب الوطنى الديمقراطى، وهرول كل أعضائه ما عدا محمود أبووافية إلى الحزب الجديد.
الحزب استمد سلطته ــ شأن كل احزاب العالم الثالث من انه حزب السلطة فقط ودليل ذلك انه تبخر فى اللحظة التى خرج فيها الناس للشارع واحترق مبناه رغم انهم كانوا يزعمون وجود ٢.٨ مليون عضو فيه.
غالبية هذه العضوية كانت لمواطنين أبرياء رغبوا فى المشى بجوار الحائط أو تسهيل الحصول على خدمة أو منفعة، أو الاستمرار فى تمثيل عائلته فى البرلمان للحفاظ على الوجاهة، لكن غالبية الحيتان الكبار كانوا فى مقدمة الصورة.
اختفى الحزب، لكن الذى بقى هو هؤلاء الأعيان الذين يصعب وصفهم بأنهم نواب ينتمون إلى الحزب الوطنى بالمعنى الايديولوجى. هم سيترشحون على قوائم أى حزب يحقق لهم مطالبهم حتى لو كان حزب النور.
السؤال الجوهرى هو إذا كان الحزب قد احترق وليس لديه أفكار وبرامج حقيقية، فما الذى يمنع الحكومة من التخلص من رموز كانت سببا رئيسيا فى الكارثة التى حلت بنا؟!
السؤال بطريقة أخرى لماذا تتحمل الحكومة دفع هذه الفاتورة الباهظة وهى تؤكد ليل نهار انها لا صلة تجمعها بالحزب الوطنى؟!.
صحيح انه لا توجد ايديولوجية للحزب الوطنى، لكن الأصح أن غالبية قياداته شكلوا ومايزالون شبكة واسعة ومتجذرة من المصالح بعضها متحالف فعليا مع شبكة الفساد الأكثر رسوخا فى مصر.
اقتلاع هذا الفساد لن يتم بين يوم وليلة لان أركان هذا الفساد لديهم نفوذ حقيقى فى مواقع كثيرة مؤثرة، لكن من المهم ان نبدأ فى عملية المواجهة حتى نعطى أملا للمجتمع بأن هناك امكانية فعلا فى هزيمة هذا الغول المتضخم.
مرة ثانية، عندما نتحدث عن فساد الحزب الوطنى لا نقصد كل من حمل كارنيه هذا الحزب، لأن غالبية هؤلاء أبرياء ولا ناقة لهم ولا جمل فيما كان يحدث، بل ان بعضهم شارك فى ثورة يناير.
نحن نقصد بعض الرموز التى أفسدت الحياة السياسية والاقتصادية وكانت السبب الأساسى للثورة، حينما تحالفت مع بعض المؤثرين فى أجهزة الأمن لضمان توريث الحكم لجمال مبارك لكى يحمى نفوذهم.
بعض عناوين صحف الأمس فيما يتعلق ببدء هدم مقر الحزب الوطنى كانت ذات دلالة ومعظمها جيد. صحيفة الوطن اختارت عنوان: «تنفيذ الإعدام فى الحزب الوطنى»، فى حين جاء عنوان المصرى اليوم: «الأوناش واللوادر تبدأ تسوية مبنى الوطنى المنحل بالأرض»، واكتفت الأهرام بعنوان: «هدم الحزب الوطنى»، فى حين جاء عنوان الأخبار: «الجيش يكتب نهاية مبنى الحزب الوطنى».
عنوان «الشروق» كان: «أول فأس فى رأس الوطنى» وتقديرى أنه دقيق جدا، لان الإعدام والهدم والنهاية ثلاثة شهور، أما معنويا فما حدث فعلا هو ضربة فأس أولى والمطلوب ضربات متتالية لأن أساسسات هذا الحزب ماتزال راسخة للأسف فى الكثير من الاماكن.
ربما تكون أوناش الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قد بدأت فى هدم رمز الفساد والتكلس، لكن نحتاج إلى لوادر وأوناش ومعاول وفئوس كثيرة لكى نكمل إزالة كل المعانى السيئة التى ارتبطت بهذا الرمز.