مذبحة دير الأنبا صموئيل.. قراءة متأنية واستنتاجات مهمة «دراسة» - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مذبحة دير الأنبا صموئيل.. قراءة متأنية واستنتاجات مهمة «دراسة»

نشر فى : الجمعة 2 يونيو 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 2 يونيو 2017 - 9:40 م
إرهاصات الحادث

فى شهر مارس الماضى تم الهجوم على كمين شرطة النقب الذى يقع على مدخل الطريق الصحراوى من أسيوط إلى الوادى الجديد، أى أنه يقبع على بداية الصحراء الغربية المتاخمة للحدود المصرية الليبية وآخر الحدود المصرية السودانية، مما يدل على أن مجموعة إرهابية مسلحة بدأت تعمل فى هذه المنطقة الصحراوية، مما يعيد للأذهان ذكرى أخطر الحوادث الإرهابية مثل «الفرافرة 1، الفرافرة 2».

أطلقت داعش منذ فترة تهديدًا باستهداف التجمعات المسيحية، اهتم المسيحيون بهذا البيان واعتبروه تهديدًا جديًا، مشكلة تأمين الكنائس والأديرة، أنها فى كل مكان، وأن التوتر الأمنى لا بد وأن تخف حدته بفعل الزمن والعوامل الإنسانية التى تميل عادة إلى الاسترخاء بعد فترة شد عصيبة.

* حذرت السفارة الأمريكية رعايها فى مصر من وقوع حادث أرهابى وشيك ونصحتهم بعدم مغادرة القاهرة، جاء هذا التحذير قبل عدة أيام من وقوع الحادث وكذلك فعلت بعض السفارات الأوروبية.

بانوراما الحادث

يقع دير الأنبا صموئيل على 35 كم من الطريق الصحراوى الغربى الذى يصل بين القاهرة والصعيد، ليس هناك طريق يوصل بين الطريق الصحراوى الغربى ودير الأنبا صموئيل سوى مدق صحراوى صغير تتحرك عليه السيارات ببط.

كل الأديرة فى مصر تقع فى الصحراء لأن الغرض منها السكينة وخلو الرهبان للعبادة والتأمل، ويعتمد الدير على موارده الذاتية ويستقبل عادة الرحلات الكنسية للشباب والأطفال والنساء، وتعتبر هذه الرحلات أشبه بالرحلات الدعوية الخلوية للكبار وأشبه بالتنزه الروحى الترفيهى للصغار.

رفضت معظم الأديرة من قبل إقامة حراسات شرطية عليها؛ خوفًا من تضيق هذه الحراسات عليها، أو تدخلها فى شأن الداخلين والخارجين، ظلت معظم الأديرة بلا أى حراسات ولم تدخل فى المنظومة الأمنية الشرطية من قبل.

لم تتصور الأديرة أن يحدث لها مكروه أو أن يقصدها أحد بسوء، كما أنها ظلت بمنآى عن أى استهداف سواء جنائى أو سياسى، فى المقابل حاولت مجموعات داعش والقاعدة مرات ومرات التسلل إلى مصر عبر الحدود الغربية المتاخمة للحدود الليبية من جهة وآخر الحدود السودانية من جهة أخرى.

هذه الحدود طويلة جدا، وتمثل التحدى الاستراتيجى الثانى بعد إغلاق وتدمير كل الأنفاق وعمل منطقة عازلة على الحدود الشرقية وخاصة بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.

هذه الحدود الطويلة والتى يبلغ طولها 1050 كم، يمر عبرها قرابة 45 مدقًا صحراويًا شهيرًا، ويعد مدق وادى عقرب ووادى النطرون أشهر مدقات التهريب عبر هذه الحدود ولا تستطيع السيارات العادية عبور هذه المدقات الصحراوية الخطيرة، فيلجأ من يريد الهروب إلى استخدام الجمال أو سيارات الدفع الرباعى التى تسير فى الصحراء كما تسير على الأسفلت.

الشهر الماضى وحده تم رصد وتدمير أكثر من 300 عربة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود بواسطة طائرات الهليكوبتر المصرية.

أشار الرئيس السيسى إلى أنه تم تدمير قرابة ألف سيارة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود.

فى الجانب الليبى المقابل هناك مدينة درنة وهى من أقرب المدن الليبية للحدود المصرية، على أطراف درنة توجد معسكرات لمجموعات مسلحة تابعة لما يسمى «أنصار الشريعة» وهى الفرع الليبى لتنظيم القاعدة الذى أسسه أسامة بن لادن.

تم اختراق إرهابى للحدود المصرية فى مرتين شهيرتين حدث فيها عملية الفرافرة 1، الفرافرة 2.

معظم قادة «أنصار الشريعة» فى مدينة درنة مصريون ولهم عداء تقليدى بكل حكام مصر.

دير الأنبا صموئيل ملاصق للصحراء الغربية فى حدود مغاغة والعدوة بالمنيا من الغرب، المدق الصحراوى إلى الدير ليست عليه أى خدمات، لا شبكة اتصالات، ولا إنارة، ولا رصف.

جاءت سيارتى الدفع الرباعى من الصحراء الغربية، نفذت المذبحة وعادت للصحراء مرة أخرى، سيارات الدفع الرباعى نادرة لدى أى صعيدى حتى لو كان ثريًا، استخدامها معروف هى من الصحراء والرمال ثم إليها.

كان الإرهابيون يلبسون أحذية ميرى حتى لا تغرز أقدامهم فى الصحراء، ظنت النيويورك تايمز أنهم يلبسون ملابس عسكرية، لم تدقق فى شىء، كانوا يلبسون ملابس عادية ويغطون وجهوهم «ملثمين» لكن الأحذية مثل السيارات لزوم الصحراء.

قد يكون أحد الإرهابيين أو بعضهم يعرف هذه المنطقة والدير، أوقفوا الأتوبيس الذى يقل الرحلة للكنيسة، قتلوا الرجال، وتركوا الأطفال، ولكن بعضهم أصيب.

أحسنت الدولة المصرية حينما قصفت معسكراتهم قبل مرور يوم على دماء هؤلاء الأبرياء، من يحمل السيف فليس له إلا السيف، ومن يحمل غصن الزيتون فله الأحضان والأغصان والورود، هكذا جرت السنة فى الحياة والأديان.

هذه أول مرة ينضبط فيها الإعلام المصرى ولا ينشر صور القتلى والجرحى وخاصة من النساء والأطفال فى الحادث، لأن نشر مثل هذه الصور كان سيضر الوحدة الوطنية المصرية ضررًا بالغًا ويهيج ملايين المسيحيين المصريين فى الداخل والخارج، ويشجع منفذى الهجوم على الشعور بالنجاح وإيلام الدولة والمسيحيين، مما يجعلهم يكررون مثل هذه الأحداث، ولم يشذ عن ذلك سوى بعض المواقع المصرية والقنوات العربية، والمعروف أن أكثر ما يضر مصر هو إعلام الدماء من الطرفين من أيام فض اعتصام رابعة العدوية، وحتى اليوم.

استنتاجات

1. أى حمق وجنون يفعله هؤلاء، إنهم يحطمون الإسلام ويقتلونه مع كل رصاصة يطلقونها على إنسان برىء، ما دخل هؤلاء بصراعات السياسة، وما ذنبهم حتى يقتلوا بدم بارد.

2. لن ينتهى الإرهاب فى مصر إلا إذا تحولت سوريا وليبيا واليمن والعراق إلى دول مستقرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، والتأمت لحمتها الوطنية.

3. تحول ليبيا إلى دولة مستقرة أسهل من سوريا بكثير، لكن هناك دولًا كثيرة تحول بينها وبين ذلك، مصر تريد استقرار ليبيا بطريقة معينة، ولكن بريطانيا تريد تنفيذ عقود التنقيب عن البترول التى عقدتها من قبل مع القذافى كشرط لعودة ليبيا كدولة وكانت هذه العقود رشوة معروفة من القذافى لبريطانيا فى ظرف معين، وإيطاليا تفعل مثل ذلك، وألمانيا تتحرك فى الملعب الليبى نيابة عن إيطاليا وفرنسا، وهناك قطر تنقب عن الغاز وتصدره وتخشى من عودة الدولة الليبية التى لن تتركها تصنع ذلك.

4. أغلقت الدولة المصرية على الدواعش الحدود الشرقية القصيرة نسبيًا والمؤمنة تأمينًا غير مسبوق، فجاءوا عبر الحدود الغربية، قد يكون لهم موطئ قدم فى الواحات أو الفرافرة أو فى أى منطقة فى الصحراء الغربية، مجموعات الصحراء الغربية عادة ما تتبع فصيل هشام عشماوى الذى يعتقد أنه موجود فى ليبيا والذى يحبذ عودة دواعش سيناء إلى تبعية القاعدة وأيمن الظواهرى.

5. جربت داعش الاصطدام بالأهداف الصلبة «الجيش والشرطة» ففشلوا ومنوا بخسائر جسيمة، توجهوا إلى الأهداف الرخوة السياحة، الكنائس، التجمعات المسيحية.

6. سيكون على الدولة المصرية أن تمد شبكتها الأمنية من الآن فصاعدًا إلى الأديرة والرحلات الكنسية باعتبارها نوعًا من التجمعات وخاصة أنها تكثر فى الصيف والأجازات، التأمين عادة يضايق الآخرين ولكنه أفضل على كل حال من تكرار مثل هذه الكارثة.

7. كل تصرفات هؤلاء تضر الإسلام والمسلمين وتؤذيهم قبل أن تضر غيرهم، الظلم ظلمات، والله هو العدل، وللعدل وبالعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل وأقام الموازين يوم القيامة.

8. مجزرة دير الأنبا صموئيل يندى لها الجبين، تهتز لها الإنسانية، فليس فيها من رائحة الإسلام ولا الدين أو الرجولة أو الشهامة أو الفروسية شىء، فما هى الرجولة أو الشجاعة فى أن تخرج بسلاحك الآلى فتقتل العزل الآمنين الذاهبين إلى بيت عبادتهم الذى أقرهم الإسلام عليه وأقرهم على أديانهم وكنائسهم وأديرتهم.

9. لقد رفض الصحابى الجليل أبو دجانة أن يقتل امرأة فى معركة أحد «هند بنت عتبة» التى كانت تلبس زى الفارس حينما تبين له أنها امرأة قائلا: «لقد أكرمت سيف رسول الله أن اقتل به امرأة» على الرغم من أنها تقاتل وتحارب بين الصفوف.

10. لقد ضاعت النخوة والشهامة والرحمة والعقل من هؤلاء، فبأى شريعة تستباح دماء هؤلاء المدنيين المسالمين الذين لا دخل لهم فى صراع سياسى أو طرفًا فيه أو صناعًا له، بأى دين أو عقل أو قلب تسفك هذه الدماء التى حرمت كل الأديان سفك دمائهم، فالإسلام جعل كل الأنفس معصومة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض» وجعل فلسفته ورسالته الأساسية هى الإحياء «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا».

11. قرى الصعيد مهملة، لا توجد بها أى خدمات، لا تشعر بوجود الحكومة فى أى قرية من قرى الصعيد سوى الأمن، معظم قرى الصعيد ليس فيها صرف صحى، ولا أى خدمات صحية أو تعليمية حقيقية، فى كل قرية قرابة عشرة آلاف شاب يعانون من البطالة، فلا عمل ولا أمل، ولا حاضنة سياسية أو ثقافية أو فكرية أو تربوية أو دينية.

12. محافظات المنيا وبنى سويف والفيوم تعد من أفقر محافظات الصعيد التى عشش فيها الفقر وباض.

13. شباب الصعيد عامة والقرى خاصة قنابل موقوتة، طرق الصلاح والزواج والعمل شبه مغلقة، وطرق الانحراف مفتوحة على مصراعيها، وكل شاب وقدره المحتوم، يمكن أن يكون أحدهم بلطجى أو إرهابى أو جاسوس أو مدمن.

اللهم ارحم شباب هذا البلد واكتب لهذا الوطن الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان.

 

التعليقات