هذا أغرب فيلم يمكنك أن تشاهده فى خريطة السينما المصرية، خاصة فى الأبطال الذين قاموا بالأدوار الرئيسية، «البطولة»، وهل سمعت أن الممثل الدرجة الثالثة فهمى أمان أسندت إليه بطولة فيلم كان هو الشخصية الرئيسية، أما الممثلة قدرية كامل فهى زوجة هذا الرجل وهو موظف يحمل اسم «عبدالفتاح» رجل وقور وموظف محترم وأب لأسرة متوسطة العدد لا يقترب من الممنوعات أو الخطايا إلا أنه بمصاحبة أصدقاء السوء يتحول إلى مدمن للخمور.
مسألة أضرار الإدمان ناقشتها السينما المصرية بجرأة لكن بصورة ساذجة، فالمخرج الأهم فى السينما العالمية فى هذا الأمر هو «بليك أدواردز» صاحب فيلم «أيام الخمر والورد» عام 1963، والغريب أن السينما المصرية عندما حولت هذا الفيلم العظيم فإنها لم تقترب قط من إدمان الخمور والأضرار، ولكنها جعلت الأدمان هنا لعب الميسر فى فيلم أنتج عام 1969.
إذن فالرقابة الاجتماعية تغيرت بشكل حاد جدا خلال أربعة عشر عاما لا أتذكر أن هناك فيلما مصريا آخر ناقش إدمان الخمر بنفس الوضوح خاصة فى العنوان بفيلم «فى صحتك» الذى ألفه وأخرجه عباس كامل من إنتاج شقيقه حسين فوزى.
الاثنان مخرجان وكاتبا سيناريو بارعان فى عمل الأفلام الكوميدية والاستعراضية لكن عباس كامل الذى رأيناه ممثلا فى أحد المشاهد طلب من قاع المجتمع وأجواء مدمنى الخمر الذين نعرفهم باسم «خمورجى»، وهو الشخص الذى تتملكه الخمور خاصة الرديئة تدمر له قدرته على التركيز، وقد يصير مجرما حين يتعذر عليه تدبير أسعار المشروبات الروحية التى يتعاطها يوميا، الفيلم بالغ الغرابة وقد أسندت البطولة لمجموعة كبيرة جدا من الممثلين كانوا فى بداية حياتهم، وصار الكثيرون منهم مجهولين فى تاريخ السينما عدا بعض الأسماء مثل حمدى غيث ومحمد قنديل وحورية حسن وهيرمين وأسماء أخرى كثيرة يمكنك أن تتعرف عليها وأنت تشاهد الفيلم، باختصار أن هذا النوع من الأفلام لا يتكرر كثيرا فى السينما، ولن يجد المتفرج فى أى صالة عرض ما يشده بشراء التذكرة لمشاهدة هذا الوجه الغريب صاحب الطربوش «فهمى أمان» وقد زاغت عيناه من شرب الخمر لن يذهب أساسا لرؤية فهمى أمان وقدرية كامل، وأعتقد أنه فى اليوتيوب فإن الناس تستخسر وقتها لمشاهدة هذا العمل، لكنها تقدمه لأنه حالة موجودة تمثل النكرة من الأفلام رغم قوة عباس كامل وحسين فوزى.
عبدالفتاح كما أشرنا صاحب الأسرة السعيدة والأبناء المتفوقين سوف يسقط فى معين الخمر بعد أن قاوم كثيرا، لكن أصدقاء السوء متمثلين فى حمدى، «حمدى غيث» خطيبته حين يغريان السيد المدير بتناول كأس واحدة يتبعه كأس أخرى، يتعفف فى البداية ويطلبه فى النهاية بإلحاح حتى لو كان منقوع البراطيش، حيث يتحدث الفيلم عن رحلة الإدمان والتأثيرات السلبية له، وقد حلت التعاسة على الأسرة، ووقعت الأبنه العذراء فى شراك خطيئة الجسد مع أحد المدمنين، ومات الأبن الصغير فى حادث ولحق به الأب.
تبدأ أحداث الفيلم بالزوجة فى قسم الشرطة وقد تم القبض عليها ثم تحكى قصة حياتها السعيدة الحزينة باعتبارها شاهدة وأنها انتقمت لمقتل زوجها.
لاشك أن عباس كامل صاحب أبرز أفلام الفانتازيا قد استوحى تجربة شاهدها بنفسه فأراد نقلها ليقدم فيلما مختلفا عن مسيرته وعن قصص السينما الأخرى التقليدية، وأعتقد أن العمر قد طال به فبعد سبع سنوات من إنتاج فيلمه فى عام 1962 كان فيلم أيام الورد والخمر حيث شجع الزوج امرأته على الإدمان، ومع الزمن أقلع عن الخمر وتحولت زوجته إلى حطام امرأة فتخلى عنها للعدالة، إنه موضوع لا يتكرر كثيرا ولكن كان لدى عباس كامل شجاعته القصوى ليقدم الفيلم الذى تاه كثيرا فى التاريخ ولا أعتقد أنه عرض لأكثر من أيام فى السينما، وكما أشرنا نقدمه ليس لأنه عمل مهم ولكن للتعرف على مناطق مجهولة من السينما، ليس فقط لما أشرت إليه ولكن أيضا نصف العاملين فى الفيلم قد فشلوا فى استكمال مسيرتهم الفنية ولم يعد أحد يتذكرهم.