فى المقال السابق تحدثنا عن تجربة كاتب هذه السطور فى رئاسة مؤتمر أكاديمى هو الأكبر فى العالم فى تصميم الحاسبات ونظرتى الشخصية لهذا الأمر، مقال الأسبوع الماضى ومقال أقدم لكاتب هذه السطور (بتاريخ السبت 2 أبريل 2022) يضعان أمام القارئ صورة عامة عن كيفية إعداد وإدارة مؤتمر أكاديمى وما هى أهدافه وكيف نستفيد منه. فى مقال اليوم نركز على المحتوى العلمى وهى الأبحاث التى تعرض وتناقش فى المؤتمر، كما قلنا إنه فى التخصصات المتعلقة بالحاسبات سواء تصميم أو برمجيات فإن الأبحاث المنشورة فى المؤتمرات أقوى من تلك المنشورة حتى فى المجلات المرموقة (طبعا نقصد المؤتمرات القوية منها). إذا فالأبحاث المنشورة فى تلك المؤتمرات القوية تجذب أنظار الشركات والحكومات وليس فقط الجامعات، فى هذا المؤتمر الذى نتحدث عنه ستجد عدة أشخاص من كبرى شركات العالم مثل آبل وميتا ومايكروسوفت وانتل وأمازون والكثير غيرهم متواجدون فى المؤتمر ويحضرون مناقشة الأبحاث ويتناقشون مع الحضور، وهناك أيضا حضور من وزارة الدفاع الأمريكية وطبعا طلاب وأساتذة من أقوى الجامعات فى هذا التخصص. لنلقى نظرة علمية مبسطة على ما تم عرضه فى هذا المؤتمر الذى انتهى يوم الأربعاء الماضى الموافق 22 يونيو.
من النقاط المهمة التى نتوجه بها لباحثينا وأستاذتنا ومهندسينا فى مجالات البرمجيات وتصميم الخوارزميات أن طريقة عملهم ستتغير فى القريب العاجل لأنه كى نحصل الآن على برمجيات سريعة فعلى مصممى البرامج والخوارزميات أن يعملوا يدا بيد مع مصممى الحاسبات أو كما يقال يجب أن يعمل متخصصو الهاردوير والسوفتوير معا، الطريقة القديمة وهى أن كلا فى عمله ولا علاقة له بالآخر ستتغير لأنه بدون التعاون الوثيق لن تكون عندنا أجهزة أسرع فى المستقبل. هذا طبعا يستلزم طريقة مختلفة فى التفكير، والتصميم، والتنفيذ للبرمجيات وللحاسبات.
النقطة الهامة الأخرى هى الاهتمام المتزايد بصفات أخرى لأجهزة الحاسبات، السواد الأعظم من الناس لا تهتم فيما يتعلق بالحاسبات إلا بصفتين: السرعة والتكلفة وهذا أمر غير صحيح خاصة إذا تكلمنا عن أجهزة الكمبيوتر العملاقة التى تدير تطبيقات مثل تويتر أو فيسبوك أو التى تقوم بنظم المحاكاة فى الفروع العلمية مثل الفيزياء والكيمياء والفلك والأحياء. تخيل أجهزة الحاسبات فى غرفة العمليات فى المستشفى، أعتقد أن ضمان ألا يعطل الجهاز أثناء عملية جراحية هو شىء أهم من التكلفة، بل ومن السرعة فى بعض الأحيان. أجهزة الكمبيوتر العملاقة تستهلك كميات مهولة من الطاقة وتطلق كميات كبيرة من الحرارة مما يساهم سلبا فى التغير المناخى، طبعا أقل كثيرا من المصانع وعوامل أخرى. الكثير من الأبحاث منذ أكثر من عقد من الزمان وحتى الآن تدرس وتحاول تقديم حلول عن كيفية تصميم حاسبات سريعة وتستهلك طاقة أقل. استهلاك الطاقة مهم حتى فى الحاسبات الصغيرة، من يرغب فى لابتوب أو موبايل سريع جدا لكن يحتاج أن يتم شحنه كل ساعة مثلا؟
هناك أبحاث أخرى تدرس كيفية تصميم حاسبات يصعب اختراقها ويقدمون حلولا متعلقة بتصميم الحاسبات وليس مجرد برنامج لكشف الفيروسات كما قد يتراءى للبعض.
صفة مهمة أخرى تعالجها بعض الأبحاث فى المؤتمر وهى كيفية تصميم حاسبات لا تعطل، أعتقد أن الكثير منا قد سمع عبارة «السيستم واقع» كثيرا.
نقطة مهمة جدا بدأت منذ سنوات قليلة ومستمرة معنا حتى الآن ومن المتوقع أن تستمر لعدة سنوات قادمة وهى تصميم حاسبات أو أجزاء من حاسبات مصممة خصيصا لتجعل نوعية معينة من البرمجيات سريعة، مثلا تصميم حاسبات مخصوصة لبعض أنواع الذكاء الاصطناعى أو لبعض أنواع التشفير، هذه الحاسبات يمكنها تشغيل أنواع أخرى من البرمجيات لكنها لن تكون بنفس الكفاءة. إذا نحن بدأنا عصر التصميم الموجه أى صناعة حاسبات موجهة لتطبيقات معينة.
أخيرا وليس آخرا هناك تزايد كبير فى عدد الأبحاث المنشورة عن الحاسبات الكمية فى السنين الأخيرة، هى نوعية من الحاسبات تعتمد على فيزياء الكم وما زالت فى الأطوار الأولى من التصميم والتجربة ولها طرق برمجة مختلفة تماما عن الحاسبات العادية. هناك سباق شرس بين أمريكا والصين لتطوير هذه النوعية من الحاسبات لأنها متفوقة بمراحل عن الحاسبات العادية فى بعض التطبيقات من أهمها كسر التشفير.
هذه كانت لمحة سريعة عن الأبحاث الحديثة فى مجال تصميم الحاسبات الذى نرجو أن يكون له مكان فى جامعاتنا وأبحاثنا فى مصر، بل وشركاتنا. نرجو من أساتذتنا فى الجامعات مناقشة الأبحاث الحديثة مع طلابهم أولا بأول. همسة فى أذن طلاب الدراسات العليا عندنا: اقرأ بحثا جديدا فى اليوم.