(مصريون حمر) وصينية وحديقة دائرية - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 5:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(مصريون حمر) وصينية وحديقة دائرية

نشر فى : الجمعة 2 سبتمبر 2011 - 8:48 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 سبتمبر 2011 - 8:49 ص

 مشكلة أولئك المتشعبطين فى قطار الثورة فى عربته الأخيرة أنهم يتصورون مصر شعبا من الهنود الحمر، يهيم على وجهه فى الصحارى الممتدة، وهم الفاتحون الجدد، أو السيد الأبيض العابر للبحر والذى يريد امتلاك هذه «القارة» المهجورة المكتشفة حديثا بقوة السلاح، وغطرسة الاستعلاء.

وربما استبد الشطط ببعضهم فتوهم أنه قادم للتبشير بدين جديد وسط شعوب بدائية لم تخبر الدين ولم تعرف الحضارة، رافعا شعار «الثورة تجب ما قبلها» وبالتالى صار تراث الدولة المصرية كله منذ أن خطت مصر خطوتها الأولى فى طريق النهضة والدولة الحديثة هدفا لسهام السيد الأبيض الجديد، نهاز الفرص راكب الأمواج، الذى كان وحتى قبيل الثورة يخطب فى الجموع محذرا من الاشتراك فيها، والتسجيلات الموثقة بالصورة والصوت لهم تنهى المواطنين عن فحشاء التظاهر وإعلان الغضب ضد سلطان جائر وفاسد ومستبد.

فلما وضعت الثورة أوزارها وأتت أكلها تحول السيد الأبيض من النقيض إلى النقيض وارتدى مسوح الثوار، واختطف الميكروفونات والمنصات وفرض نفسه صانعا وشريكا ومتحدثا باسم مستقبل البلد، يفرض آراءه ورؤاه على شكل الدولة المقبلة، ويستبد به التسلط إلى درجة أن يطالب كل من يرفض تصوره للمستقبل بأن يأخذ أول طائرة أو قارب شراعى إلى الضفة الأخرى من العالم، غير مأسوف عليه.

ولا يعدم هذا السيد الأبيض من يبيض له سواد طروحاته، ويسوغ له هذه النفس التكفيرى الاستبعادى، ولا يشعر بأى وخز وهو يعتبر أن توعد المخالفين فى الرأى والفكر من الليبراليين والعلمانيين بالويل والثبور وعظائم الأمور واستنزال لعنات الله عليهم أمرا عاديا ومفهوما، ملتمسا لهم العذر بأنهم عانوا فى العهد البائد.

وبصرف النظر عن أنهم ليسوا وحدهم الذين عانوا، ناهيك عن أنه كانت هناك صلات سرية تربطهم بالنظام الساقط، لاستخدامهم فى مواقف معينة، فالحقيقة الثابتة أنهم ليسوا وحدهم الذين تجرعوا المعاناة، بل إن سجل المثقفين المصريين الكبار من رموز الجماعة الوطنية ممن تعرضوا للبطش ودفعوا الثمن باهظا طويل جدا، ومن ثم لن تنطلى على أحد لعبة تمثيل دور الناجين من محرقة مبارك وعصابته على أحد.

إن قصفا عنيفا يستهدف الدماغ المصرية هذه الأيام، بكل أنواع أسلحة التدليس والتضليل والاستعماء، فى محاولة لحشو الوعى العام بأكاذيب تضع المطالبين بدولة مصرية مدنية ديمقراطية حديثة فى خندق الكفار أو المعادين للدين، ومن ثم يصبح كل صاحب فكر ليبرالى أو اشتراكى ضد الدين، رغم أن من بين الليبراليين والاشتراكيين وغيرهم من هو أكثر قربا من روح الدين واستمزاجا لقيمه السمحة ومبادئه الرفيعة من أولئك الذين يريدون اختطاف الدين لحسابهم، ويمارسون سخائم ويروجون أكاذيب ويطلقون حمما من الأضاليل والأراجيف باسمه، وهؤلاء هم الخطر الحقيقى على الدين كونهم يقدمون نموذجا سيئا ومسيئا لتطبيقاته، فالدين لم يأمر بالكذب والخداع ونقض العهود والانتهازية.

قل «صينية» ولا تقل «حديقة دائرية».

يبدو أن أزمة «صينية ميدان التحرير» باتت أكثر حساسية والتهابا بين أطرافها، حتى أن بعض وسائل الإعلام باتت تخشى استخدام كلمة «الصينية» وتضع مكانها «الحديقة الدائرية».. لقد انتقلنا من مرحلة «التحرير فوبيا» إلى «الصينية فوبيا».

وائل قنديل كاتب صحفي