يمكن الجزم بأن الدولة الليبية لم تشكل أى خطر حقيقى على الجانب المصرى منذ محاولة القذافى اقتحام الحدود المشتركة منتصف العام ١٩٧٧ وحتى مقتل القذافى نفسه وشيوع الفوضى فى أنحاء ليبيا، وما بين التاريخين كانت العلاقات بين القاهرة وطرابلس تخضع لفترات شد وجذب سياسى بداية حكم مبارك ثم تحسنت وأخذت طابع الوفاق فى آخر عقدين من تاريخ نظامى مبارك ـ القذافى.
الحالة الأمنية المتدهورة فى ليبيا منذ مقتل القذافى شكلت تحديا كبيرا أمام القاهرة، ومثل السلاح الليبى الذى خلفه جيش القذافى المنهار أهم أركان هذا التحدى، فمن ناحية تضاعف نشاط تهريب السلاح عبر حدود مصر الغربية بصورة غير مسبوقة وشمل أنواعا لم يعرفها سوق السلاح السرى فى مصر من قبل وعلى رأسها الرشاشات الثقيلة والمضادات الأرضية والتى ظهر تأثيرها الكارثى فى زعزعة الاستقرار المصرى فى بعض بؤر التوتر المجتمعى مثل أسوان مؤخرا حيث يستخدم الجرينوف للمرة الأولى فى نزاع قبلى، وفى تغذية العناصر التكفيرية المتمركزة فى سيناء.
ومن ناحية أخرى ساعد السلاح الليبى مع ما تشهده البلاد من فوضى وتناحر قبلى على تنامى قوة الجماعات المسلحة ذات النزعة التكفيرية التى تناصب القاهرة العداء بصورة واضحة على خلفية الصراع بين النظام المصرى الحالى وجماعة الإخوان المسلمين، وهذه الجماعات تتحين الفرص للتسلل عبر الحدود لتنفيذ عمليات إرهابية فى العمق المصرى ومن المرجح أن تكون متورطة فى عملية قتل ضباط الجيش المصرى عند نقطة الفرافرة القريبة من الحدود الليبية منتصف الشهر الماضى... بالإضافة إلى تعرض العمالة المصرية فى ليبيا للخطر بصورة غير مباشرة ما لبثت أن تحولت إلى استهداف مباشر وربما عمليات قتل على الهوية أيضا منذ سقوط حكومة محمد مرسى فى مصر يونيو ٢٠١٣.
وما يزيد المشكلة الليبية تعقيدا أمام صانع القرار السياسى المصرى أن تنحصر فى مجموعات تكفيرية مسلحة، بل هذه تفصيلة واحدة من صورة كبيرة، فالحقيقة أن ليبيا بأسرها أصبحت دولة ميلشيات متعددة الانتماءات هى أقوى بمراحل من الدولة الرسمية ولعل انعقاد البرلمان الجديد فى مدينة طبرق على بعد 1500 كيلومتر شرقى طرابلس ما يرمز إلى ذلك، حيث تدفع الدولة الرسمية إلى أطراف البلاد بينما المليشيات التى بيدها السلطة الحقيقية يدوى رصاصها فى قلب العاصمة.
تصريح عبدالفتاح السيسى أثناء زيارته الأخيرة لروسيا ربما يراه البعض قد حسم مبكرا أمر التدخل العسكرى المصرى فى ليبيا على الأقل من الناحية الرسمية وحتى إشعار آخر، لكن تبقى خيارات التدخل غير الدبلوماسية مطروحة واحتمالات اللجوء إليها متفاوتة تتحكم فيها الظروف الداخلية فى مصر والقبول الليبى والعربى والمعطيات الدولية المؤيدة.