طال واشتدّ تردد المعارضة السورية بكافة تلويناتها العابرة للحدود وللأيديولوجيات ولاء أو مكوثا فى العديد من الملفّات. ورفض القادة المتعاقبون على رءوسها المتعددة تسمية الأمور بمسمياتها فى أمور أساسية وخطيرة اعتقادا منهم بأنهم يناورون سياسيا «بذكاء» أو يتمسّكون بأوراق ضغط متخيّلة «بدهاء». وبالتالى، فهم قد نأوا بأنفسهم عن التنديد بالتيارات الظلامية الجهادية، وليست المجاهدة، المتسرّبة من الأقبية العفنة أو الرطبة بعد مكوثٍ غير صحى طال أو قصر بحسب إرادة السلطات.
وعندما أطاحت بعض الطفيليات المتنكرة باللبوس الدينى فى مراحل نموها الأولى، بعد أن أطلق سراح بذورها من سجون الأمنوقراطية السورية، برأس تمثال الفيلسوف السورى أبوالعلاء المعرى فى بلدته معرة النعمان، برعت الأقلام فى الذود عن حليف متوّهم للثورة ينشر الفساد والظلام أينما حلّ. وطالت العبارات التى تستجدى براءة المذنب لتحمّل الآخر / السلطة، التى استفادت من حصوله حتما، مسئولية هذا الفعل الشنيع. وعندما أُسقط فى يد محامى «الشيطان»، تحوّلوا إلى الهجوم العنيف على بعض ممن تجرّأ وندّد بهذا العمل الجاهلى والذى كان مؤشّرا مبكرا على كيفية تطوّر الأمور فى اتجاهات غير محمودة العواقب تصبّ مباشرة وبوقاحة فى طاحونة النظام الذى كان يعتبر بأنه يُحارب الإرهاب الدينى والتنظيمات المتطرفة قبل استنباطها من أقبيته أو قبل أن يتحوّل بعض المغرّر بهم إلى صفوفها.
وفى هذا السياق، اعتبرت بعض الأقلام حامية الرءوس بأن الحديث عن قطع رأس تمثال فيلسوف من حجر يُغطى على قطع رءوس البشر. وكاد الأمر يصل إلى درجة تخوين من تجرأ وامتعض من هذا الفعل وجرى أحيانا اعتباره رجسا من أعمال النظام أو من طفيلياته.
تطوّرت الأمور، وغاص بعض المعارضين فى شعبوية لا نفع لها إلا فى حوارات الفضائيات التى يخرج فيها رذاذ اللعاب أكثر من الكلام، وأشاحوا بنظرهم عن تجاوزات عدّة تعاقبت وأتت على رموز ثقافية أو مواقع أثرية أو مزارات دينية. وكل تنديد بهذه الأعمال، كان فى نظرهم يصبّ فى مصلحة المستبد المتأمل خيرا من استمرار هذه التجاوزات / الجرائم من جهة مقترفيها، والشاكر الحامد «لغباء» المدافعين عنها بكل ما يمكن من غوغائية ونفاق.
وقد جاوز الظالمون المدى وتخطّوا الحدود الدينية والدنيوية، وأضحوا يمارسون ما يليق فقط بالسلطة. فأضحوا وكأنهم يتمرنون على استدامة الاستبداد مع تغيير فى الأدوات والطرائق. وبدأت الاعتداءات على المواقع الدينية للآخر، مهما كان هذا الآخر، والتى، وإن وجدت لها تنديدا شعبيا واسعا، ولكنها قوبلت بخجلٍ مُخجِلٍ منع عن التنديد والشحب لمن فى فمهم بحصة الانتظار والترقّب، وفى عقولهم ظنّ واهم بأن تقاطع المصالح مع هؤلاء السوداويين يمكن أن يُساعد «القضية» فى بلوغ مآلاتها المُبتغاة.
وكذا، لم ترحم جوقة الداعمين «على عماها» دون وعى لما ستؤول إليه البلاد وما سيصحو عليه العباد بعد زوال «سكرة» اللحظة، وبروز «فكرة» الآتى. وتصدّت للناقدين منوِّهة بالآلاف من ضحايا النظام، وكأن التطرّق إلى خطايا بعض ممن يلوذ بالثورة من مغتصبيها فيه الردّة ويجوز عليه تطبيق حدّ الخيانة. ودعت هذه الحملات الكثير من العقلاء إلى التروّى ومحاولة البحث عن الموازنة الدائمة فيما يكتبون أو يذكرون.
فكما حدّثتنا عقلية خشبية طوال سنين عن ممارسات عنصرية بحق الهنود الحمر فى القرون الغابرة فى القارة الجديدة مقابل تطرّقنا إلى الديمقراطية ومفاهيمها، تواجهنا عقلية حجرية بمجازر الطرف الآخر حتى تمنعنا عن الحديث، ولو بالتنويه الخجول، عن تجاوزات معيّنة من الطرف المنوط به، نظريا على الأقل، الدفاع عن الحق والحرية والكرامة.
بعد سلسلة طويلة من ممارسات الخطف والاعتقال والتعذيب والقتل العشوائى، قام منذ أيام «أميران» من جماعة ما يسمى «دولة العراق والشام الإسلامية» بتدمير تمثال للسيدة العذراء فى قرية اليعقوبية. وقد صوّر «المتعمّمان» فعلهم الشنيع هذا للتباهى. وانتشر الشريط بسرعة النار فى الهشيم، وتجاوز أثره ما لا يمكن أن يحلم به أى نظام أو سلطة مهما استثمرت فى الإعلام وفى شراء ذمم الصحفيين من عرب ومن أجانب لتشويه الحركات الاحتجاجية وممارسات المتمردين. فاستيقظت المعارضة السياسية ببيان تنديد واضح يسمى الأمور بمسمياتها، ناعتة هذه الجماعات بما هى عليه: إرهابية وظلامية. فأن تأتى متأخرا، خيرٌ من ألا تأتى أبدا.