إخوان.. خيبر! - بلال فضل - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 يناير 2025 5:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إخوان.. خيبر!

نشر فى : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص

عريان العقل وحده من يصدق أن جماعة الإخوان ممثلة في الدكتور عصام العريان زعيم أغلبيتها في مجلس الشورى الأضحوكة، تذكرت فجأة حق اليهود المصريين في العودة إلى وطنهم بعد أن «طفّشتهم» منه الحقبة الناصرية، فالحداية التي ترمي المصريين بالتصريحات الطائفية لا يمكن فجأة أن «تحدف» كتاكيت قبول الآخر، والأمر كله في رأيي ليس سوى محاولة بائسة لاسترضاء الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة للمعونات التي ينتظرها حزب العريان لكي يتفشخر بالحصول عليها قبل أن يقوم بتوزيعها على قواعده الانتخابية لضمان الاستمرار على كرسي الحكم، خاصة أن تهمة معاداة السامية تلاحق مرسي منذ ظهرت على محطات تليفزيون دولية أجزاء من حوارات قديمة له يصف فيها اليهود بأحفاد القردة والخنازير وأخرى يجلس فيها مستمعا إلى أنصاره وهم يهتفون ضد اليهود بشكل عام وليس الصهاينة وإسرائيل على وجه الخصوص، وهو ما فشلت في تبريره الوفود الإخوانية التي طافت عواصم الغرب لاهثة وراء رضاه السياسي والمادي، فكان لابد أن تصدر رسالة طمأنة إضافية من قيادي إخواني بارز بالداخل.

 

بعيدا عن النوايا السياسية التي يعلمها الله، لابد أن نشهد للدكتور العريان بأنه رجل لطيف جدا، فهو يريد من اليهودي المصري أن يرجع إلى بلده لكي يحظى بنعيم التسامح الذي يغرق فيه المسيحي المصري في ظل عهد الإخوان، فيتم حرق معبده لو فكر في بنائه دون ترخيص مثلما يبني إخوته المسلمون مساجدهم، وتأتي هيئة خيرت الشاطر الملاكي للحقوق الشرعية لتحرم تهنئته بأعياده فيشعر بأنه منبوذ في وطنه، وتلاحقه اللعنات والدعوات في كافة الخطب المنبرية والفضائيات الدينية، ويمنعه أنصار وحلفاء جماعة العريان من الإدلاء بصوته في الانتخابات. ربما لو تأمل العريان في ذلك لأدرك لماذا لم يحتفل أحد بدعوته التي تصور أنها ستعطي جماعته «بنطا» حضاريا، فجلبت له ولجماعته سيلا من الانتقادات اختلط فيها حابل الطائفيين بنابل الذين فاض بهم الكيل من كذب الإخوان. المضحك أنه في مرحلة التبرير الأولى التي أعقبت صدور تصريحات العريان وقبل أن يتم الانتقال إلى مرحلة الإنكار ثم الاستنكار، حاول بعض قادة الإخوان تلقين معارضيهم دروسا في التفريق بين اليهودية والصهيونية، متناسين أن جماعتهم بنت الكثير من شعبيتها على استخدام شعار «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، الذي صارت طبعته الجديدة بعد الوصول إلى كرسي الحكم «إرجع إرجع يا يهود.. البرادعي مش هيسود»، تماما مثل شعار «عالقدس رايحين شهداء بالملايين» الذي هتف به رائد مشروع الصرف الصحي الإسلامي صفوت حجازي في حضور محمد مرسي، والذي سيحوله اليهود المصريون في الشتات بعد تصريحات العريان إلى شعار «على مصر رايحين ناخد تعويضات بالملايين».

 

دعك من مناورات العريان وجماعته التي ستجيد إسرائيل استثمارها سياسيا في المحافل الدولية وستستخدمها أقرب مما يتصور العريان في فتح ملف تعويضات اليهود المصريين عن ممتلكاتهم، ودعني أدعوك إلى قراءة كتاب رائع اسمه (الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين وقائع خروج أسرة يهودية من مصر) كتبته الأمريكية اليهودية ذات الأصل المصري لوسيت لنيادو وترجمته مشكورة دار الطناني للنشر قبل 3 سنوات، كنت قد علمت أثناء زيارتي لمقر صحيفة (وول ستريت جورنال) في نيويورك أن لوسيت تعمل بها، حاولت لقاءها لكني لم أوفق لضيق الوقت، ولعلي أحاول الاتصال بها مجددا لأمنحها تليفون العريان لتتصل به وتختبر جدية العرض الذي يقدمه لليهود المصريين خصوصا إذا كانوا مثلها لم يهاجروا إلى إسرائيل، وظني أنه سيقفل في وجهها السكة كما فعل مع زميلتنا ريم ماجد، بعد أن باعته جماعته وسلمته لغضب الناس سريعا، لكي تستمر في الضحك على ذقون البسطاء بأنها ستتيح لهم الصلاة في القدس عقب انتهاء مرسي من تحرير مصر من الذين يذكرونه كل يوم بفشله السياسي.

 

لم يكن أي حالم بأن تعود مصر كما كانت وطنا متسامحا يقبل التعدد والتنوع، سيكره دعوة العريان لو أحسها صادقة وجادة، فمصر كما تقول لينادو في مقدمة كتابها كان يعيش بها حتى الخمسينيات أكثر من 80 ألف يهودي مصري بالإضافة إلى مليون أوروبي من مختلف الجنسيات كانوا يتخذون منها وطنا للعيش، لكن كيف لنا أن نصدق تسامح جماعة العريان ونحن نرى مبعوثها إلى قصر الرئاسة يتجاهل سيل التصريحات الطائفية التي تنهمر من قادة جماعته والمشايخ الداعمين له وكلها تصريحات تسعى لتطفيش مسيحيي مصر لكي يلحقوا باليهود، وسيظل محمد مرسي مسئولا عنها سياسيا حتى ينكرها، طالما ظلت تُستغل في حشد الأصوات الطائفية لدعمه. 

 

مذكرات لينادو التي تقلب عليك مواجع ما فعله العسكر بمصر، أجمل من أن يتم اجتزاؤها، فقط أتوقف عند حديثها عن أبيها الذي ظل حتى مات في يناير 93 يحتفظ بحقيبة سفر في غرفة المعيشة على أمل أن يعود ثانية إلى مصر التي ظل يحن إلى كل شيئ فيها حتى أن رائحة ورودها لم تفارقه أبدا، وبرغم كل تلك السنين على رحيلها عن مصر ظلت تتذكر والدها وهو يصرخ على ظهر المركب التي أقلعت بهم من الإسكندرية في الستينات مرددا بالعامية المصرية مرة بعد أخرى «رجعونا مصر.. رجعونا مصر». وهنا يأتي السؤال الذي لا أظن أن عصام العريان وقادة جماعته جادون حقا في مواجهة أنفسهم به: كم مسيحيا مصريا تم إجباره تخويفا وتطفيشا على مغادرة مصر ببركات الطائفية التي رعاها نظاما السادات ومبارك وتواصل أعمالها بنجاح ساحق في عهد الإخوان وحلفائهم؟، وهل المطلوب الآن دفع المسيحيين المصريين الذين سيقاومون قهر حقهم في المواطنة الكاملة إلى أن يتركوا مصر ليهتفوا خارجها ذات يوم «رجعونا مصر رجعونا مصر».