بنص الدستور فإن كل المصريين أمام القانون سواء، بلا أى تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الوضع الاجتماعى، وكان من المفترض أن يكونوا كذلك أمام الضمير المجتمعى، بحيث لا يتردد هذا الضمير ــ إن كان لا يزال سليما ــ فى الإسراع بإغاثة الملهوف والمظلوم والذى يمر بأزمة بأى مكان فى العالم.
غير أن الأيام الكئيبة أثبتت أن المفروض شىء والواقع شىء آخر، فقد تبين أن هذا الضمير يعمل بالقطعة، ويتحرك بالريموت كونترول ويمارس التمييز بين المصريين على نحو مخجل.
فى أبريل من العام الماضى كانت قضية اعتقال المحامى المصرى الشاب أحمد الجيزاوى فى مطار جدة بالسعودية، فانفجر بركان الغضب الشعبى ــ الثورى ــ فى كل مكان، وحوصرت السفارة السعودية بالقاهرة، ووقف الثوار والمتظاهرون غاضبون ومحتجون أمام الخارجية المصرية، واشتعلت مانشيتات الصحف بالزئير دفاعا عن كرامة مصر التى أهينت، على يد السلطات السعودية، وبصمت متواطئ من السفارة المصرية هناك التى رددت الرواية الرسمية السعودية التى ذهبت إلى اتهام الجيزاوى بتهريب أدوية محظورة إلى المملكة.
وقد قلت فى هذا المكان وقتها تعليقا على الأداء المرتعش للدبلوماسية المصرية «إذا كان ذلك ممكنا فى ظل نظام كان يفاخر بأنه يهتم بالمبلغ أكثر من اهتمامه بالمبدأ، وينشغل بالثمن على حساب القيمة، ويمد يده هنا وهناك، فإن هذا النظام من المفترض أنه سقط، بفعل ثورة قامت من أجل الكرامة الإنسانية، وكان من المتوقع أن نرى رد فعل مختلفا فى اختبار الجيزاوى، غير أن الإجابة جاءت من أرشيف الأداء الدبلوماسى المصرى، ووجدنا السفير يردد ما يملى على مسامعه من قبل السلطات السعودية.
ولو قفزت من إبريل 2012 إلى يناير الجارى، ستجد أن الصورة قد انعكست، إذ يظهر الضمير الشعبى (الثورى) مع الإعلان عن اعتقال أحد عشر شخصا من خيرة العقول المصرية فى دولة الإمارات متخلفا بخطوات عن الموقف الرسمى المصرى، إذ سقط فى قاع التمييز بين المصريين على أساس الهوى السياسى والغرض الأيديولوجى، ووجدنا الصحف «الثورية» تتبنى الرواية الإماراتية،وتحرض على المصريين بحجة أنهم ينتمون للإخوان المسلمين، على الرغم من أن أحدا لا يعلم حتى هذه اللحظة التهم التى جرى اعتقالهم على ضوئها، ونسى الجميع فى غمرة المكايدات والمهارشات والمجاحشات الصغيرة «أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته» ولم نسمع عن جموع غضب ثورية انتفضت دفاعا عن كرامة وحرية مواطنين مصريين، كما كان يحدث من قبل. بل إن هناك من قطع شوطا أبعد فى الخصومة الجهول واعتبر أن مجرد الاشتباه فى أن المعتقلين ينتمون فكرا للإسلام السياسى ــ وفقا للرواية الخلفانية ــ مبرر لتركهم يواجهون الجحيم وحدهم، وكأنهم غير مصريين.. أو كأن الانتماء الفكرى صار أساس المواطنة، وعليه تسقط الجنسية عن المختلفين معنا فى الرأى والفكر.. ولم نسمع صوتا من أصوات دعاة ومدعى الدفاع عن حقوق الإنسان يطالب بضمانات لتحقيقات محترمة وشفافة لمصريين متهمين فى دولة عربية.. كل ذلك لأن اعتقالهم وإهانتهم تصادف هوى لدى المختلفين معهم سياسيا وفكريا فى الداخل.
إن نجدة المصرى الواقع فى أزمة بالخارج واجب على كل مواطن محترم.. ودون ذلك هو العمى السياسى والعطب الأخلاقى فى أوضح صوره.