المخرج هو نفسه سمير سيف فى الفيلمين، الفيلم الأول «مسجل خطر» 1991، الذى كتبه وحيد حامد، والفيلم الثانى «المشبوه» الذى أنتج قبل هذا بسنوات من تأليف إبراهيم الموجى، لكن هناك مشهدا واحدا منقولا بين الفيلمين كأنما المخرج هو الذى كتبه إعجابا بهذا النوع من المشاهد؛ حيث يقوم ماهر بسرقة مبلغ كبير، وتطارده العصابة مع أخيه بيومى الذى يصاب برصاصة قاتلة، وفى مكان مفتوح يطلب بيومى من أخيه أن يأخذ المبلغ ويهرب، وأن يتركه وحيدا فى العراء يتلقى مصيره، وهو الموت، أما فى فيلم «مسجل خطر» فإن نفس المشهد يتكرر مع اختلاف أن الأخ هو صديق مقرب إلى كباكا؛ حيث قضيا معا فترة العقوبة فى السجن، ويحاول كباكا المحافظة على ابنة صديقه وتوصيلها إلى أهلها، فيلم «المشبوه» مأخوذ من الفيلم الأمريكى «كان لصا» إخراج رالف نيلسون 1964، ولكنه يخلو تقريبا من مشهد الموت هذا، ما يؤكد أن سمير سيف كان متحمسا لهذا الموقف الإنسانى بين الشركاء فى السرقة رغم أن كلا من وحيد حامد والموجى قد أعجبا كثيرا بالنمط البوليسى فى قصص الأفلام، هكذا كان لدينا اثنان من الكتاب يجيدان عمل توليفة الفيلم البوليسى فى إطار من المطاردات والعلاقات الإنسانية العميقة بحيث نتعاطف بشدة مع موضوع الفيلم، «مسجل خطر» مثلاً يدور حول ثلاثة من السجناء الذين يخرجون إلى الحرية فى نفس اليوم وما إن يعودوا إلى بيوتهم حتى يستأنفوا المهن القديمة التى كانوا يمارسونها قبل القبض عليهم، أحدهم مثلا يعود لاستئناف أعماله التجارية المغلفة بأعمال الدعارة وتجارة الجنس، والثانى يعود إلى الشركة التى كونها شريكه، ويطلب منهما ما يستحقه من مال مقابل أن أخفى عن الشرطة أسماء الشركاء، فيمنحونه مبلغا لا يرضى عنه، ويقرر أن يمثل لهما الخطر الشديد حتى يأخذ حقه، إلا أن الشريكين يرسلان فى أثره من يغتاله، وفى المشهد المشار إليه يطلب من كباكا أن يرعى ابنته الوحيدة وأن يذهب بها إلى شقيقه فى أقاصى الصعيد كى تتربى هناك، ويتحول الفيلم إلى مطاردة بين طرفين، الطرف الثانى معه حقيبة بها أموال كثيرة تخص الطفلة، أما الطرف الأول فهو رجال العصابة الذين يريدون الاستيلاء على المبلغ والتخلص من كباكا، يعنى هذا أن وحيد حامد لم تكن كل أفلامه تتضمن قضايا فكرية وسياسية مثلما رأينا فى «البرىء»، و«الغول»، فهو من ناحية أخرى كان يقتبس الأفلام الكوميدية ويعيد تشكيلها فى صياغة جديدة مثلما فعل فى فيلم غريب فى بيتى، ونحن لسنا ضد هذا التناول، فهو دائما يبث مذاق كاتب جيد أيا كان مستوى الفيلم، وقد كان يفعل ذلك مع سمير سيف كمخرج فى أفلام عديدة أبرزها «آخر الرجال المحترمين» بما يعنى أنه كان هناك ثالوث يصنع هذه الأفلام: ممثل ــ كاتب ــ مخرج، وأظن أن فيلم «مسجل خطر» هو أقل أعمال الكاتب والمخرج التصاقا بأذهان المشاهدين، ونحن الآن بعد رحيل الكاتب بسنوات قليلة نشعر بقيمته ونفتقده، وللأسف فإنه قد تعرض للكثير من المتاعب والمشاكل مع المخرجين، سواء فى المحاكم، أو بتغير النص، ما أهدر علينا امتلاك قدر أكبر من الأفلام الجيدة التى تنتمى إلى وحيد حامد، فلا شك أن إهدار قيمة الكاتب تجعلنا نشعر بمدى الخسارة التى حدثت معه، وهو الذى اضطر أحيانا لكتابة أفلام أقل قيمة، لكننى أذكر ما قاله لى أنه فى آخر حياته كان يكتب لمخرجين شبان أجود ما لديه مثلما فعل فى فيلم «محامى خلع»، و«دم الغزال»، لم يحدث هذا فقط فى فيلم مسجل خطر بل إن موهوبين كثيرين تم وأد أعمالهم بسبب الخلافات حول صناعة فيلم تجارى بين صناع الأفلام.