ما بعد «استراتيجية حقوق الإنسان» - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد «استراتيجية حقوق الإنسان»

نشر فى : الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:50 م | آخر تحديث : الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:50 م
حظيت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أُطلقت الشهر الماضى، بترحيب العديد من وسائل الإعلام، وإشادات معظم مؤسسات الدولة التى اعتبرت الإعلان عن تلك الوثيقة بداية لـ«تعزيز واحترام الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية».
ووسط سيل الإشادات، طرح البعض تحفظات وملاحظات نقدية، لا ترتبط بنصوص الوثيقة التى لا يختلف عليها أحد إذ إنها منسوخة من مواد الدستور ونصوص الاتفاقيات والمعاهدات التى وقعت عليها مصر أو شارحة ومفسرة لها.
انصبت تلك التحفظات وهى نادرة، على ضرورة اعتراف الحكومة بمسئوليتها عن التدهور الذى أصاب ملف حقوق الإنسان وذلك بفرضها المزيد من القيود على حرية التعبير والتنظيم والممارسة السياسية، ودفعها بتشريعات إلى البرلمان تقنن تلك القيود، رغم علمها بأن تلك التشريعات تتعارض فى فلسفتها مع مواد الدستور وثقافة حقوق الإنسان التى تدعو بنود الاستراتيجية إلى تعزيزها.
كما جاء على رأس تلك التحفظات إطلاق الاستراتيجية فى وقت لايزال فيها العديد من المعارضين وأصحاب الرأى فى السجون، فقط بسبب ممارستهم حقهم الدستورى فى التعبير عن رأيهم ونقد السلطة.
ترجمة نصوص تلك الاستراتيجية إلى إجراءات عملية هو الاختبار الحقيقى لنوايا الحكومة، وأول إجراء يعزز الثقة ويقنع المجتمع بجدية السلطة هو إطلاق سراح المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا رأى ممن لم يتورطوا فى العنف، فمواد الدستور التى استند إليها من صاغ الاستراتيجة شددت على أن الحرية الشخصية حق طبيعى لا يمس، وحظرت توقيع العقوبات السالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر والعلانية، إلا فى قضايا التحريض على العنف والتمييز والطعن فى الأعراض.
يصعب الإعلان عن استراتيجة لحقوق الإنسان، فى ظل وجود نصوص قانونية تُجيز حبس المواطنين احتياطيا لمدد تصل إلى عامين دون إحالتهم للمحاكمة، وهو ما يعد إهدارا لحق أصيل من حقوق الإنسان، لذا فإعادة النظر فى مواد الحبس الاحتياطى بالقانون، ومطالبة جهات التحقيق باتخاذ ضمانات بديلة لهذا الإجراء الذى تحول لعقوبة، حتى ينتهى البرلمان من تعديل التشريع الحالى، هذا الإجراء أيضا يزيد من ثقة الناس فى نوايا الحكومة.
لم يحظ الجزء الخاص بالصحافة والإعلام فى الاستراتيجية بالتغطية والاشتباك الكافى، الوثيقة أشارت فى هذا الجزء إلى أن الخريطة الإعلامية فى مصر تتسم بالتنوع سواء من حيث الملكية أو الاهتمامات، لكنها اعترفت أن هذا التنوع لا يعكس بالقدر اللازم تعددية الرؤى والآراء.
وكما لم تشر الاستراتيجية إلى مسئولية الحكومة عن التدهور الذى أصاب ملف الحقوق والحريات المدنية والسياسية، لم تتطرق أيضا إلى أن غياب التنوع والتعددية عن وسائل الإعلام هو مسئولية حكومية بالأساس، فإهدار مواد الدستور التى تكفل التنوع والتعددية واستقلال وسائل الإعلام، وعدم إبراز أى رأى مخالف فى المنصات الإعلامية وخروج الصحف بعناوين موحدة ومحتوى متشابه كل ذلك ليس مسئولية إدارات الصحف، كما أن تمرير القوانين المقيدة للعمل الصحفى والمقننة لعمليات الرقابة السابقة واللاحقة ليس مسئولية نقابة الصحفيين، إنما هى مسئولية مباشرة للحكومة وأجهزتها التى تدير بشكل مباشر أو غير مباشر ملف الإعلام فى السنوات الأخيرة.
من ضمن النتائج المستهدفة التى نصت عليها الاستراتيجية فى هذا الجزء: «تعزيز مناخ وثقافة التعددية وتنوع الآراء والرؤى إزاء مختلف القضايا العامة»، وهو ما يعتقد البعض أن الحكومة بدأت ــ ولو على استحياء ــ فى تفعيله خلال الأيام القليلة الماضية بظهور كُتاب وساسة مختلفين ومخالفين على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد يطرحون أفكارا وتحليلات نقدية، وهو أمر محمود إذا اعتبرناه خطوة على الطريق على أن تعقبها خطوات أخرى لتوسيع هامش الحرية بما يضمن للصحافة القيام بمهامها فى إخبار المواطن بما يجرى ويدور فى كواليس مؤسسات الدولة، وإخبار السلطة أيضا بردود فعل الناس على قراراتها وتوجهاتها، وتقديم الرؤى والأفكار والتحليلات المتنوعة والناقدة، بما يساهم فى تنوير المساحات المظلمة، ورفع منسوب وعى السلطة والشعب معا.
ننتظر أن تتحول نصوص الاستراتيجية إلى ممارسات وإجراءات سواء فى محاور الحريات والحقوق المدنية والسياسية أو فى محور الصحافة والإعلام. لقد ألزمت السلطة نفسها بتحقيق النتائج المستهدفة لكل محور من محاور الاستراتيجة، ولو تحقق 50% فقط من تلك المستهدفات خلال العامين المقبلين، ستضع بلادنا أقدامها على أول طريق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى خرج الناس فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو يطالبون بتأسيسها.
التعليقات