نعم فقراء.. فلا تزيدونا فقرا - صفوت قابل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نعم فقراء.. فلا تزيدونا فقرا

نشر فى : السبت 4 فبراير 2017 - 11:05 ص | آخر تحديث : السبت 4 فبراير 2017 - 11:05 ص

أثار تصريح الرئيس السيسى بأننا فقراء جدا الكثير من التعليقات وخاصة بعد الكثير من الوعود من الرئيس بأن تكون أحوالنا أفضل نتيجة سياساته، وهو ما يجعلنا نتخوف من المستقبل بعد تساؤل الرئيس «قبل ما تسألونى قولولى أنتم عملتم إيه»؛ لأننا لا نعرف ما هو المطلوب منا لتحسين أحوالنا لأننا نحتاج إلى من يضع خطط العمل التى ننفذها، لأن العمل الفردى قد يحسن أحوال البعض ولكنه لن يؤدى إلى حجم التغيير المطلوب للمجتمع، ولأن الكثير من قرارات الحكام الاقتصادية تطيح بالملايين إلى دائرة الفقر، ولأننا لن نعيد اختراع ما عرفه العالم.


فهناك حقيقة أساسية أن المجتمعات التى كانت فى أوضاع اقتصادية واجتماعية أكثر ترديا منا قد استطاعت النهوض وتحسين أحوالها عندما توافرت لها القيادة السياسية التى كانت لها رؤية استطاعت حشد الشعب لتنفيذ البرامج التى بدلت أحوالهم إلى الأفضل، والمثال الواضح لذلك الصين والهند وماليزيا وسنغافورة، وكلها مجتمعات تعانى من الاكتظاظ السكانى ولكنها استطاعت تحويل السكان إلى طاقة عمل. هناك مقولة لـ«ماو تسى تونج» الزعيم الصينى عندما سألوه عن المشكلة السكانية التى تلتهم ثمار التنمية فقال إن أمام كل فم يأكل يدان تعملان، وهو ما حول الصين إلى مصنع العالم وجعل اقتصادها يتجه إلى المركز الأول عالميا، فهذه هى الوصفة الأولى للقضاء على الفقر سواء على المستوى الفردى أو مستوى الاقتصاد القومى.


قد يقول قائل ألم تصدر الحكومة خطة 2030 وفيها الأهداف التى تجعل الدولة فى وضع اقتصادى أفضل، ألم تبدأ فى تنفيذ المشروعات الكبرى من الطرق للمدن الجديدة ومحطات الكهرباء، والرد على ذلك من تجاربنا التاريخية، فكل الأنظمة تضع المشروعات والأهداف الكبيرة ولكن المشكلة فى كيفية التنفيذ وفى عدم التنفيذ السليم مما يؤدى فى النهاية إلى ضياع الموارد القليلة فى مشروعات لم تكتمل، وهو ما يرتبط بقضية الأولويات وهل الأولوية لإصلاح الموجود من مشروعات أو البدء فى غيرها، فهل الأصوب توجيه المليارات التى تنفق على العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة الجلالة، أم توجيه جزء منها لإصلاح القطاع الصناعى والذى يستطيع توفير الكثير مما نستورده ويحمينا من الوقوع فى براثن حيتان الاستيراد وفخ تعويم العملة.
***


نعم نحن فقراء لأننا لم نتعلم تعليما جيدا يؤهلنا لأعمال إنتاجية بدلا من أن يسرح الكثيرون على عربات لبيع منتجات ربحها قليل، ونحن فقراء لأن الكثيرين مصابون بالأمراض نتيجة تفشى الجهل والتلوث الذى أصاب ما نأكل، ونحن فقراء لأن غالبية الشباب لا يجدون عملا بعد أن تخلت الحكومة عن مهمة إنشاء المشروعات التى تستوعب العمالة، وتركت ذلك للقطاع الخاص على اعتبار أنه الأكثر قدرة على ذلك، وها هى النتيجة واضحة بعدم قدرة القطاع الخاص على خلق الوظائف التى تؤدى إلى خفض البطالة.


ثم عندما أعلن رئيس الجمهورية عن 200 مليار جنيه ستوفرها البنوك للمشروعات الصغيرة، وها قد مضى عام على هذا الإعلان فهل بحث المسئولون النتائج ولماذا لم تنجح هذه المبادرة بدلا من إقامة المؤتمرات كل فترة للحديث عن أهمية المشروعات الصغيرة ودورها فى التنمية. وهكذا تتكرر التصريحات دون وضع الإجراءات التى تساهم فى التغلب على العقبات؛ لذلك أصبح حلم الغالبية هو الهروب من الوطن ولو على ظهر قارب قد يغرق فى المياه. أليست الحكومة هى السبب فى ما نعانيه من فقر، أليست هى المسئولة عن توفير التعليم والصحة، وإذا كانت الخدمات السليمة ستكون بمقابل فلماذا الإنفاق على المدارس والمستشفيات الحكومية لتقدم خدمة سيئة، وليستسلم الفقراء لفقرهم حتى يحين أجلهم.


نعم نحن فقراء لأن الأجر الذى يحصل عليه المواطن لا يكفى احتياجاته مقارنة بمستوى الأسعار، فإذا قامت الحكومة بتعويم الجنيه ليفقد أكثر من نصف قيمته وتصبح الأسعار تتزايد كل ساعات، فمن المسئول عن ذلك؟ وإلى متى وكيف يتحمل الفقير؟ وأين هى الحماية الاجتماعية للفقراء التى جاءت فى اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى؟ ورغم أن الأغنياء أكثر قدرة على مواجهة ارتفاع الأسعار، إلا أن الفئات المحظوظة حصلت على زيادات فى دخولها بينما الأجراء عند الدولة وأصحاب المعاشات ترفض زيادة الحد الأدنى لأجورهم ولا تكتفى بذلك بل ترفع من أسعار مواد التموين والتى نواجه أيضا مشكلة فى توفيرها.
***


هل من الممكن أن نناشد حكامنا بأنه يكفينا ما نحن فيه من فقر فلا يزيدونا فقرا، وذلك بعدم زيادة الفساد المقنن من خلال زيادة مرتبات ودخول الفئات المميزة لأنهم فى النهاية يقتطعون من دخل محدود، ولأن الأغنياء يأخذون نصيبا كبيرا من الدخل القومى فيكفيهم هذا، وهل يمكن أن نناشدهم بإصلاح ممتلكات ومصانع الشعب بدلا من بيعها للقطاع الخاص ولتكون وسيلة لتخفيف مشكلة البطالة. لا تزيدونا فقرا واحتياجا بزيادة أسعار الدواء كل فترة إرضاء لأصحاب الشركات الذين يهددون دائما بوقف الإنتاج، فاتركوا من ينقذ الشركات العامة للدواء بدلا من تبادل المصالح مع شركات الدواء، ولتتوقفوا عن الاستدانة من الخارج فكل هذه الديون سيدفعها الشعب الفقير، ومثالا على ذلك أن الشريحة الأولى من قرض البنك الدولى وكانت مليار دولار ــ ووفقا لوزيرة التعاون الدولى ــ ستوجه لدعم برنامج الحكومة الاقتصادى، أى فى سداد عجز الموازنة، والشريحة الثانية وقيمتها مليار دولار أيضا ستنفق فى مشروعات تحقق التنمية المستدامة ومساندة برامج الحماية الاجتماعية وأن البرنامج الإصلاحى يشمل الوجبات المدرسية والتدريب، أما عما هى هذه المشروعات تحديدا! فالحكومة هى التى تعرف كيف توزعها وكله يحقق التنمية المستدامة، ويكفى الفقراء أن أبناءهم سيحصلون على وجبات حصل منتجوها على أضعاف قيمتها وكثيرا ما نقرأ عن إصابات الأطفال نتيجة عصائر منتهية الصلاحية.


الكثيرون تعجبوا من أن حكامنا يطالبوننا بالتحمل والتقشف، بينما هم لا يخفضون من نفقاتهم وجاءت قصة السيارات الثلاث لمجلس النواب لتكون دليلا على ذلك، ولكن لأن للحكم أبهة لابد من توفيرها، فهل نتواضع فى مطلبنا بأن فقط يتوقفون عن زيادة الأسعار ويتركون للفقراء بطاقاتهم التموينية بسلع يجدون بها الحد الأدنى من الكميات وبأسعار يقدرون عليها، لقد وصل اليأس بالناس إلى حد أنهم لا يغضبون لسرقتهم بل فقط يدعون من يسرقهم للتوقف وكفى.

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات