تكلمنا فى مقال الأسبوع الماضى عن العرس الثقافى السنوى فى مصر وهو معرض القاهرة الدولى للكتاب، ومما قلناه إن أغلب الفاعليات الثقافية تكون عن الأدب والفن والقليل عن العلم، وهذه نقطة أحب أن أستفيض فيها فى هذا المقال، معرض الكتاب يمثل قبلة للكثير من الشباب وهذه أجواء احتفالية يجب استغلالها كى نملأ العقول والقلوب بالعلوم والآداب والفنون وبهذا نصنع الثقافة. قد يبدو أن الفارق بين العلوم والفنون والآداب شاسع بما لا يسمح بوجود لغة مشتركة، هذا ليس صحيحا، يجب ألا ننسى أن الأفرع الثلاثة تعتمد على الملاحظة والتجربة وأنها تحاول الوصول إلى جوهر العالم الذى نحن فيه وتحسينه، العلوم تجرها قاطرة الحاجة والفضول بينهما، الآداب والفنون تجرها قاطرة الإبداع والتخيل، لكن الأفرع الثلاثة تؤثر على بعضها البعض. إذا أردنا برنامجا ثقافيا فى معرض الكتاب يضع العلوم جنبا إلى جنب مع الفنون والآداب فماذا عساها أن تكون تلك الندوات؟ لنرى بعض الأمثلة.
«الذكاء الاصطناعى وعلاقته بالأدب والفن»: كانت هناك ندوة بعنوان «نحن والذكاء الاصطناعى» فى المعرض هذا العام، لم أحضرها للأسف نظرا لظروف سفرى ولكن وجود ندوة علمية كهذه أمر محمود، لكن ندوة تناقش كيفية تأثير الذكاء الاصطناعى على الأدب والفن وكيف يؤثر الأدب والفن على الذكاء الاصطناعى ستكون مثيرة جدا وستجذب المهتمين بالعلوم والفنون والآداب على حد سواء.
«التفكير النقدى والتفكير الإبداعى»: هل التفكير النقدى والتفكير الإبداعى مختلفان؟ أم متكاملان؟ وكيف يساعد كل منها فى تقدم العلوم والفنون والآداب؟
«رواد العلم فى مصر فى القرن العشرين»: كانت هناك ندوة عن على باشا مبارك بمناسبة مرور 200 عام على ميلاده كما كانت هناك ندوة عن الدكتور أحمد مستجير وهذا شىء جميل وأرجو أن يستمر، هناك نجوم ساطعة فى مجال العلم وقد أثروا الحياة العلمية من داخل مصر وليس من خارجها، رواية قصصهم والدروس المستفادة منها ستكون دافعا للأجيال الجديدة لمواجهة الصعوبات التى تواجه من يسلك طريق العلم فى الدول النامية مثل كيفية القيام بالبحث العلمى على الرغم من قلة الموارد، والموارد هنا ليست المال فقط ولكن أيضا إيجاد الوقت اللازم للقيام بالبحث العلمى فى ظل ظروف قد تدفع بالكثيرين إلى العمل فى عدة وظائف لزيادة الدخل.
«الحاسبات فائقة السرعة وما يمكن أن تمثله لمصر»: يجب تعريف الناس بماهية الحاسبات فائقة السرعة وكيف تؤثر على حياتهم بطريق مباشر مثل الخدمات التى تُقدَم للمواطنين نتيجة للرقمنة وبطريق غير مباشر مثل نظم المحاكاة المستخدمة فى الأبحاث العلمية التى تنتج الأدوية والأجهزة إلخ.
«أثر العلم فى الأدب وأثر الأدب فى العلم»: هذا يعيد إلى الأذهان شيئين، الأول هو تذكيرنا بالمناظرة على صفحات الجرائد بين العالم الكبير على مصطفى مشرفة وعميد الأدب العربى طه حسين عن نفس الموضوع، وكان طه حسين يتكلم عن أهمية العلم للأدب بينما تكلم على مشرفة عن أهمية الأدب للعلم. الشىء الآخر هو تذكيرنا بأهمية المناظرات، لماذا لا تكون بعض الندوات على هيئة مناظرات؟ هذا يجعل الموضوع أكثر إثارة ويعرض عدة وجهات نظر ويجبر المشاهدين على التفكير من أجل تكوين رأى.
«تصنيف الجامعات ما له وما عليه»: هذا موضوع غاية فى الأهمية نظرا للجدل الدائر منذ سنوات عن أفضلية جامعة على أخرى أو الفارق بين الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة، وهل تصنيفات الجامعات لها معنى حقيقة أم هى فقط من أجل «المنظرة»، وكيف يتم تصنيف الجامعات إلخ. فى عصر أصبح التعليم فيه سلعة وأصبحت الشهادة أهم من العلم أصبح من الضرورى مناقشة هذه الأمور، أعتقد أن ندوة كهذه ستجتذب الكثير من الحضور.
لا ننكر أن هناك بعض الفاعليات المتعلقة بالعلم فى المعرض مثل ندوة الأمن السيبرانى والندوات التى تناقش الكتب مثل مناقشة كتاب الميتافيرس، للأسف لم أتمكن من حضور تلك الندوات لكنى وجدت أسماءها فى جدول الفعاليات، لكن تظل فى النهاية الندوات المتعلقة بالفنون والآداب تمثل السواد الأعظم من الندوات، والندوات التى تجمع بين العلم والأدب والفن شبه معدومة، أتمنى أن يتغير ذلك فى المعارض المقبلة.
ما تكلمنا عنه فى هذا المقال هو فقط بعض المقترحات لندوات ثقافية علمية قد تساهم فى إثارة شهية الجيل الجديد إلى العلم وتشجع على التعاون بين العلماء والأدباء والفنانين فكلهم مبدعون وكلهم يساهمون فى رفعة الأمم.