فى عام 1997 وصلت إلى روسيا التى كانت تعيش فى سنوات ما بعد سقوط الشيوعية. تفقدت منافذ بيع الكتب فهالنى أن تلك الدولة العظيمة توقفت عن نشر الموضوعات الأيديولوجية والسياسية والفكرية.
كان واضحا أن الناس تعبت من كل شىء، فأرفف منافذ بيع الكتب باتت تبيع كتبا فى تنسيق الحدائق، وروايات بوليسية وكلاسيكيات الفلسفة.
فى الطابق الأرضى، على الناحية اليمنى، فى أكبر منفذ بيع كتب فى مدينة سان بطرسبرغ المعروف باسم «دوم كنيجى» (بيت الكتب) كان قسم كامل يحمل سلسلة عنوانها «أعظم 100».
تنوعت السلسلة بين أعظم 100 قائد عسكرى وسياسى، وأعظم 100 امرأة، أعظم 100 مستكشف ورحالة، وأعظم 100 كارثة طبيعية، وأعظم 100 بلد ومدينة، وغير ذلك كثير.
وقد استرجعت هذه الذكريات مؤخرا حين كنت أقرأ فى بعض المصادر الجغرافية القديمة، فعثرت على كتاب يعود عمره إلى قرون بعيدة مضت.
مؤلف الكتاب هو «إسحاق بن الحسين المنجم» وقد وضع كتابه فى القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى.
قبل ألف سنة أعطى إسحاق بن الحسين كتابا مسمى «آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان».

أعظم 100 مدينة

يضم الكتاب ما يمكن تسميته أشهر 100 مدينة فى العالم الإسلامى والأقاليم المحيطة به. أعطى المؤلف تفاصيل وافية عن نحو 50 مدينة إسلامية كبرى فى مقابل معلومات موجزة وإشارات طفيفة عن 50 مدينة أخرى.
ورغم أن المدن جاءت دون تصنيف فى حدود سياسية كالتى نعرفها اليوم ــ لأنها كانت مترامية فى عالم إسلامى لا حدود فاصلة بين ممالكه وإماراته فى العصر العباسى ــ إلا أننا سنسمح لأنفسنا بذكرها هنا ضمن التصنيف السياسى الحديث تسهيلا على القارئ الذى يمكنه تتبع خريطة العالم المعاصر. وهى على النحو التالى:
• ثلاث مدن ذات قداسة فى عموم بلاد الإسلام: مكة المشرّفة، مدينة النبى، صلّى الله عليه وآله وسلّم، بيت المقدس.
• سبعة مدن فى العراق: بغداد، سرّ من رأى، الكوفة، البصرة، واسط، الموصل، حلوان.
• ما يقرب من 20 مدينة فى فارس وخراسان فى وسط آسيا: عبّادان، سيراف، همذان، أصبهان، الرّى، طبرستان، جرجان، نيسابور، طوس، مرو، سرخس، هراة، كرمان، خوارزم، سجستان، بلخ، بخارا، وسمرقند.
• أربع مدن فى اليمن: صنعاء عدن، سبأ، حضرموت،
• أربع مدن فى جزيرة العرب (من البحر إلى البحر): عمان، البحرين، الطائف واليمامة.
• 7 مدن فى الشام وفلسطين: دمشق وحلب، طرسوس، طبرية، عسقلان، طرابلس، مدين (على حدود مصر)
• ست مدن فى مصر: الإسكندرية، دمياط، تنيس، مدينة مصر، عين الشمس، مدينة القلزم (السويس).
• 10 مدن فى غرب مصر وبلاد البربر وهى: القيروان، تاهرت، طنجة، فاس، قرطاجنة، تلمسان، سبتة، مليلة، وسجلماسة.
• عدة مدن فى بلاد السودان التى تضم النوبة والحبشة، ولا سيما: زغاوة وعلوة.
• جزيرة الأندلس وأهم مدنها: برشلونة، قرطبة، إشبيلية، طليطلة، سرقسطة، بلنسية، مالقة، علاوة على الموانئ الواقعة على جزيرتى منورقة وميورقة.
• بلاد الروم والإفرنج، مع الإشارة بشكل تفصيلى إلى مدينة رومية الكبرى، ما بها من كنائس ورهبان وأضرحة وصلبان، والإشارة إلى قصة طريفة عن طيور الزرزور التى تحمل ثمار الزيتون فتلقى به فى الكنيسة فيعصره الرهبان ويحصلون منه على الزيت لإنارة مصابيح الكنائس.
• القسطنطينية، وقد وصفها المؤلف وصفا تفصيليا وأشار إلى أن اسمها مستمد من قسطنطين ابن ملك الروم، الذى بنى هذه المدينة حين كان أول من دخل فى دين النصارى من قومه. وبها كنائس عظام.
• عديد من المدن فى بقية العالم المعروف آنذاك، بحيث يشمل إشارات موجزة عن الهند، والخزر والشاش (ومن أهم مدنهم بلكار وهى فى طاعة ملك الخزر). كما أشار إلى بلاد التّرك ( فى أواسط آسيا) التى وصفها بأنها بلاد عظيمة واسعة، وأهلها أهل بأس ونجدة، ولهم مناظر وأجسام. وهم أحذق الناس بعمل اللبود، لأنها ملابسهم، وعندهم الألبان، والصيد كثير وبلادهم كثيرة البرد والثلج.

مصر فى كتاب «آجام المرجان»

فيما يلى الصورة التى كانت عليها المدن المصرية قبل ألف سنة وكما جاءت فى كتاب «آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان».

الإسكندرية
ويقول عنها: من عجائب البلدان. بنيت فى ثلاثمائة سنة، ومكث أهلها سبعين سنة لا يمشون فيها بالنهار إلّا بخرق سود على وجوههم، خوفا على أبصارهم من شدة بياضها. وبها رابطات على ساحل البحر ينزلها العباد والغرباء. وكان فى القديم على منارها مرآة كبيرة صنعها الحكماء، ويطلع بها على القسطنطينية وبلاد الروم.

دمياط
تقع على ساحل البحر الشامى وأهلها أغنياء، ولا عمل لهم إلّا من عمل الثياب الرفيعة التى لا تعمل مثلها فى غيرها من البلدان، وذلك للطيف هوائها. لأن البحر يحيط بها من جهة الشمال، وخلجان النيل تفترق عليها. ومن دمياط يركب إلى بلاد الروم. وتقاربها فى البحر جزيرة قبرس (قبرص) وجزيرة إقريطس (كريت). ومنها يحمل الدقيق والفواكه إلى مرسى دمياط ويقرب مدينة دمياط على البحر، مدينة تنيس.

تنيس
وهى كبيرة، وأكثر أهلها نصارى، وهم يعملون طراز السلطان، فيها ضروب الثياب الرفيعة ولأن البحر يحيط بها، فلا سبيل إليها إلّا على المراكب، وعليها سور من حجارة، تضرب فيه أمواج البحر، وماؤها مالح ستة أشهر من العام، فإذا فاض النيل عذبت مياهها ، لبلوغ فيض النيل فى الخلجان. وأهلها أغنياء، والسمك بها كثير، يخرج إلى الساحل من غير أن يصاد.

مدينة مصر
وبها الهرمان، وبهما كان يجمع الطعام فى أيام يوسف عليه السلام، والنيل يأتى إليها من بلاد السودان، مخرجه من جبل القمر، خلف خط الاستواء، ولا يكاد يتوصل إليه أحد. وبمصر نخيل وموز وقصب. وبقرب جبل المقطم مقبرتهم.

مدين
وهى بين حدود الشام وحدود مصر، مدينة شعيب عليه السلام. وفيها كهفه الذى كان يأوى إليه بغنمه، وفيها جبال كثيرة، وفيها كهوف ومغارات تحت الأرض، فيها عظام بالية، وعليها رواسخ مبنية، وهم قوم شعيب. وفى مدين، البئر التى استقى فيها موسى عليه السلام.

عين الشمس
كانت مدينة فرعون، وموضع ملكه وفيها آثار عجيبة، وأبنية، وفيها أساطين وتماثيل ونقوش. ونهر منصوب فى صخرة، حواليها كرسىّ من رخام، كان يجلس عليه الفرعون مع جواريه. وفيها صنمان من حجارة، أحدهما يبكى، والآخر يضحك.
مدينة القلزم وهى السويس
وفيها مرسى المراكب من بلاد الهند. ومنها يجاز بحر القلزم إلى مكة والحجاز. وبين مصر ومدينة القلزم، مسير ثلاثة أيام فى قفار، ولا عمارة فيها ولا مال. وهى أرض التيه التى تاه فيها بنو إسرائيل فى هذا المكان. وبحر القلزم هو الذى شقه الله تعالى لموسى بن عمران عليه السلام، حين جوازه ببنى إسرائيل فى البحر. وفيه جبل به منامات للرهبان. وفى أعلى الجبل كنيسة وآثار عجيبة.