محمد وجيه عبدالعزيز مواطن مصرى توفى من ١١ سنة. ابنه خالد كتب على تويتر، مساء يوم السبت الماضى الآتى: تم تعيين محمد وجيه عبدالعزيز وزيرًا للنقل.
وقام الابن بتأليف «سى فى» للأب أو الوزير الجديد، باعتباره ملك الأنفاق وخبير هندسة القطارات فى أوروبا، خصوصا فرنسا والسويد، هو كتب هذه التويتة، وتركها لمدة ساعة فقط، ثم قام بحذفها. لكن المفاجأة المحزنة أن أكثر من سبعة من المواقع الإخبارية الكبيرة القومية والحزبية والمستقلة قامت بإعادة نشر التويتة باعتبارها حقيقة مؤكدة، من دون أن تتأكد من دقتها. وللأسف كان من بين هذه المواقع بوابة «الشروق».
هذه التجربة الغريبة ليست جديدة، لكن للأسف فإن كثيرين يقعون ضحيتها فى الفترة الأخيرة. وأذكر أن موقعا فرنسيا ساخرا كتب خبرا أغرب من الخيال عن الجزائر قبل سنوات، وتعامل معه كثيرون باعتباره حقيقة، وقاموا بنشره.
هناك مواقع كثيرة ساخرة تنشر أخبارا خاطئة جملة وتفصيلا، لكن البعض لا يدقق فيها ويتعامل معها باعتبارها أخبارا صحيحة.
للأسف الشديد «قصة وزير النقل المزيف» تكشف إلى حد كبير هشاشة عنصر المصداقية فى غالبية وسائل الإعلام، ليست فقط فى مصر، ولكن فى أماكن كثيرة بالعالم.
لا أدافع عن الخطأ، فهو كارثى، واعتذرنا عنه بشجاعة للقراء على بوابة الشروق، وأكرر الاعتذار اليوم.
لكن أحاول اليوم مناقشة الأمر، من منظور أوسع، حتى لا يتكرر أو على الأقل نحد من انتشار هذه النوعية من الأخبار.
«الشروق» وغيرها من المواقع والمؤسسات الكبرى أجرت العديد من الدورات التدريبية للزملاء خصوصا الجدد، بالاتفاق مع مؤسسات مصرية وعربية مرموقة. العنصر الأساسى الذى نركز عليه هو التأكد والتحقق من المصداقية، والزميل الذى نشر الخبر يدافع عن نفسه بأنه تواصل مع بعض المسئولين بوزارة النقل ولم ينفوا الخبر بوضوح. وبالطبع حتى ذلك لا يبرر الوقوع فى الخطأ.
مرة أخرى، القصة أكبر من خبر خاطئ أو كوميدى بهذا الشكل. للأسف الشديد مصداقية غالبية وسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية صارت على المحك. وإذا كان العديد من المتعلمين والمثقفين يقعون ضحية الأخبار مضروبة، فمن الطبيعى أن نعذر كثيرا البسطاء الذين يصدِّقون «الأخبار المضروبة والمفبركة»، لكن كيف نعذر صحفًا ومواقع كبرى إذا وقعت فى نفس الخطأ؟!.
مرة اخرى، لا عذر بالمرة للصحف والفضائيات والمواقع الكبرى، حتى لا يبدو الأمر، وكأننى أبرر هذا الخطأ.
المهم أن ننظر إلى السياق العام الذى وقع فيه هذا الخطأ.
أولا: هناك سباق محموم بين الجميع فيمن يسبق أولا فى النشر، وفى هذا السباق تتعرض المصداقية والتحقق من صحة الخبر إلى أخطار جسيمة.
ثانيا: واقع بائس وهو ضعف مستوى المحررين الجدد بصورة واضحة. نظريا لديهم كمٌّ ضخم من المعلومات بفضل «جوجل» وغيره من محركات البحث، لكن معظمهم لا يملك عقلا نقديا أو حتى شغفا بالتحقق والبحث فى التفاصيل. هذا الأمر سببه غياب التدريب المستمر، وعدم ترسخ ثقافة التدريب لدى الناس.
ثالثا: أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة تجعل المحرر يعمل فى الصحيفة نهارا، وفى بعض المواقع ظهرا، ومعدا فى فضائية ليلا، وبالتالى ليس لديه الوقت للتحقق من دقة الأخبار، وليس لديه وقت لكى يستريح ويقرأ ويرفه عن نفسه، والنتيجة أنه يتحول إلى ما يشبه «الماكينة المتهالكة». ويعزر من هذا الأمر تراجع حصة الإعلانات فى وسائل الإعلام، والأخطر تراجع هامش الحرية، مما حول الصحف إلى ما يشبه النسخة الواحدة.
يعلم الله أننا نبذل جهدا كبيرا فى «الشروق» من أجل التحقق والمصداقية، ونؤجل نشر العديد من الأخبار المهمة يوميا، و نخسر السبق، حتى نتحقق من صحتها. هذا الأمر أكسبنا مصداقية لدرجة أن كل من انتقد قصة خبر وزير النقل المزيف انتقد «الشروق» فقط، ولم يلحظ أن العديد من المواقع الإخبارية نشرت القصة مثل «أخبار اليوم» و«البوابة نيوز» والفجر» و«التحرير» و«روسيا اليوم» و«المواطن» و«أهل مصر»!.
هذا الخبر المضروب ناقوس خطر للجميع بضرورة إعادة النظر فى العديد من الأمور والعودة إلى تطبيق القواعد المهنية التقليدية والأساسية. لأن الخطورة الحقيقية إذا انتشرت مثل هذه الأخبار هو تقديم معلومات مضروبة للرأى العام مما يؤثر على مستوى الوعى بين الناس، علما أن هذا الوعى يمثل مشكلة حقيقية، لأسباب يطول شرحها!