صباح الأحد الماضى، حصلت زميلتنا منى زيدان، محررة الملف الطبى على معلومة من أحد مصادرها، تفيد بأن هناك حالتين مشتبه بإصابتهما بفيروس كورونا، وأن وزارة الصحة تستعد لاتخاذ الإجراءات اللازمة لفحصهما.
حينما وصلنى الخبر ترددت كثيرا فى نشره، خوفا ألا يكون صحيحا، ولو بنسبة واحد فى المائة، فيتسبب فى إحداث بلبلة، نحن جميعا فى غنى عنها.
ركنت الخبر، وتواصلت مع الزميلة، ومع الزميل محمد بصل مدير تحرير بوابة «الشروق»، للتأكد من مدى صحة الخبر. وبعد اتصالات متعددة، تأكدنا تماما من صحة الخبر، وبالتالى تم نشره ظهرا على بوابة «الشروق».
حينما تم نشر الخبر، فقد تمت مشاركته «تشييره» على نطاق واسع، نظرا للمصداقية الكبيرة التى تحظى بها «الشروق» موقعا وجريدة.
بعد أقل من ساعة من النشر، جاءنى اتصال مهذب من مسئول حكومى، يقول فيه إن الخبر غير صحيح. تناقشنا مطولا، وقلت له إن خبرنا صحيح، والمحررة مشهود لها بالكفاءة. انتهى الاتصال وبطبيعة الحال، حاول كثيرون معرفة مصدر الخبر، ورفضنا كل المحاولات، احتراما لقواعد المهنة.
المسئول تمنى حذف الخبر، حتى لا يتسبب فى إحداث حالة من الذعر والهلع. وخلال هذا الوقت أصدرت وزارة الصحة بيانا تنفى خبرنا، وتؤكد أن مصر خالية من فيروس كورونا.
واحتراما للقواعد المهنية، فلم ننشر الخبر الأصلى الأول فى النسخة الورقية، بل قمنا بنشر خبر نفى وزارة الصحة فقط، وعلى الموقع قمنا بتحديث الخبر ــ وفقا للقواعد المهنية العالمية ــ بنشر بيان النفى، مع الإشارة ــ بأمانة ومسئولية ــ إلى أن «الشروق» هى التى نشرت الخبر المقصود نفيه.
وتقديرا للمصلحة العامة لم نعلق على بيان وزارة الصحة، الذى ينفى خبرنا، رغم أننا نملك معلومات مؤكدة تثبت صحة موقفنا، إضافة لضرورة حماية المصادر الصحفية التى وثقت فينا.
فى المساء قام بعض الزملاء الإعلاميين في البرامج الفضائية،بانتقاد «الشروق»، والقول بأنها نشرت خبرا خاطئا، وتم وضع هذا الكلام، فى إطار محاولات إثارة بلبلة فى الرأى العام، فى حين أن البلاد تخلو تماما من كورونا بما يعنى أننا نساهم فى هذه البلبلة!!
قبل منتصف الليل بقليل أقرت وزارة الصحة بوجود حالة لمواطن أجنبى «كندى» ثبت إصابته بالفيروس. وفى ظهر اليوم التالى قالت الوزارة إن هناك حالة مشتبه بإصابتها، لكن بعد إجراء الفحوصات تبين أن الحالة سلبية.
إذا فإن مجريات الـ24 ساعة، أكدت أن ما نشرته «الشروق» كان صحيحا ألف فى المائة. نحن لم نقل أصلا إن هناك حالتين مصابتين. بل كان الخبر محددا وهو «اشتباه فى إصابة»، ولا يعنى إثارة بلبلة من أى نوع، خصوصا أن حالات الاشتباه فى العالم بأكمله هذه الأيام بمئات الآلاف والإصابات المؤكدة بالآلاف وكذلك الوفيات.
الطريف أنه وفى اليوم التالى، كانت وزارة الصحة تعلن عن إجراء تحاليل لـ١٨٣٢ حالة مشتبه فى إصابتها بالفيروس، بداية من شهر يناير الماضى وحتى يوم الثلاثاء الماضى، وأن جميع الحالات ثبت سلبيتها ما عدا حالتين، لشخصين أجنبيين. ومعنى هذا الكلام باختصار أنه لم يكن هناك معنى لقيام الوزارة بنفى خبر «الشروق»، عن وجود حالتين مشتبه فيهما، فى حين كان هناك اشتباه فى ١٨٣٢ حالة، فأين الخطأ الذى وقعت فيه الشروق!
فى الليلة الثانية سألتنى الإعلامية الكبيرة لميس الحديدى هاتفيا فى قناة «الحدث» عن مغزى اعتبار قطر أن مصر دولة موبوءة بالفيروس. قلت بوضوح إن ما فعلته الحكومة القطرية تحرش دبلوماسى واضح، ومحاولة لإثارة الرأى العام المصرى والعربى والدولى على الحكومة المصرية، دون وجود أى دليل حقيقى على وجود بؤرة موبوءة فى مصر حتى الآن على الأقل!
ما أريد قوله إننا ندافع عن بلدنا حينما نشعر أنها مستهدفة بالباطل. وفى الوقت نفسه نمارس مهنتنا فى إطار القانون والقواعد المهنية، ومصلحة البلد الحقيقية التى تتطلب حرية تداول المعلومات، والآراء المختلفة طالما أنها فى إطار القانون.
أقدر خشية الحكومة من حدوث بلبلة فى الرأى العام ــ لا قدر الله ــ لكن ذلك لا يجعلها تنفخ فى الزبادى كثيرا!
وسؤالى البسيط هو: ما هى المشكلة فى أن تؤكد الحكومة خبرا صحيحا عن «حالتى اشتباه»، نشره الإعلام الوطنى المصرى، فيعزز ذلك شفافية الحكومة ومصداقية الإعلام الوطنى، فى مواجهة آلاف الشائعات المتداولة على لسان الإعلام المعادى للدولة المصرية، الخارج على كل القيم الوطنية والأخلاقية والقواعد المهنية، بشأن كورونا وغيرها من القضايا الوطنية. خاصة أن دولا كبرى، مثل الصين بها حتى صباح أمس الأربعاء، 80282 حالة إصابة مؤكدة ومئات الآلاف من المشتبه بهم و2972 حالة وفاة، وكوريا الجنوبية بها 5621 إصابة و33 حالة وفاة، وإيطاليا بها 2502 إصابة و79 حالة وفاة وإيران بها 2336 إصابة و77 حالة وفاة؟!!