من الأكاذيب الشائعة أن التحرش الجنسى يرتبط بملابس الفتاة، فإذا كانت محتشمة، نأت بنفسها عن المتحرشين، ولكن إذا ارتدت ملابس عارية فإنها تعطى رخصة مباشرة لكل متحرش. كلام فارغ. لأن التحرش أصبح أحد المظاهر الاجتماعية فى المجتمع المصرى. وإذا سألت فتيات محجبات سوف تستمع منهن إلى روايات عن المعاكسات، والتحرش الذى يحدث لهن فى الشارع. وفى كثير من الأحياء الشعبية أو التى تقطنها الطبقة الوسطى تجد فلولا من الشباب تنتظر أمام مدارس البنات، اللاتى يخرجن جميعا بزى مدرسى موحد، وتكاد تكون الغالبية العظمى منهن من المحجبات، ورغم ذلك يتعرضن لمعاكسات، تصل إلى حد استدعاء الشرطة إلى مدارس البنات. وهل كان «بامبرز» الطفلة مثيرا إلى حد أن يعتدى عليها شخص؟ ولماذا لم تكن الفتيات يتعرضن للتحرش فى الستينيات حتى السنوات الأولى فى السبعينيات من الشارع رغم ارتداء الملابس القصيرة ــ موضة تلك الأيام؟ وهل كانت «فتاة العتبة» فى مطلع التسعينيات ترتدى ملابس عارية؟
التحرش مرض اجتماعى، سعار عند بعض الشباب، لا علاقة له بملابس الفتاة، ولكن بالتكوين النفسى والثقافى والاخلاقى. والحديث عن علاقة التحرش بملابس الفتاة ما هو إلا تبرير للمتحرشين، وايجاد أسباب تلتمس لهم الأعذار، وتذكية لمنطق ذكورى عقيم. وهناك من بعض أصحاب اللحى من يروج لذلك على اعتبار أنه يدعو إلى الحشمة. من قبيل ذلك ما ذكره داعية سلفى فى برنامج تليفزيونى «ليس من المعقول إعدام جميع المتحرشين بفتاة الزقازيق، وكان لازم تلم نفسها». والشىء بالشىء يذكر، فقد لاحظت أيضا أن بعض الأقلام تجوب وسائل الإعلام بحثا عن حادثة اغتصاب أو تحرش أو ما شابه فى إحدى الدول الغربية فقط لإثبات أن الحرية الاجتماعية فى هذه المجتمعات لا تمنع حدوث هذه الجرائم، وكأنها تبرير واهم للذات أو ادعاء بصحة تصور معين للمرأة فى المجتمع.
المتحرش هو نتاج نظام تربوى وتعليمى فاشل. هو شخص على هامش الحياة، لم يوجد له النظام التعليمى معنى، ولم يجد فى الأسرة غاية يتعلمها، انتماؤه الأساسى إلى الشارع بكل ما يحوى من ترهل، وبذاءة، وفوضى، وأفكار متخلفة. وحتى نكون منصفين فإن الهاجس الجنسى منتشر لدى فئات عديدة. هناك شباب أرعن أجوف يتحرش فى الشارع، وهناك أصحاب مهن راقية يتحرشون فى مكاتبهم، وأنديتهم الراقية، وجلساتهم الوثيرة. وهناك قصص وروايات كثيرة فى هذا الشأن.
السؤال: هل نواجه التحرش بالقانون؟ ضرورى. هل نواجهه بالشرطة؟ أساسى. ولكن مواجهته طويلة الأمد لن تكون إلا بالتربية المدنية فى المدارس، وخلق ثقافة وفهم، مشاركة ووعى لدى الطلاب، وانخراط فى مبادرات الصالح العام، وتربية النفوس بالمعرفة والفلسفة، وايجاد معانٍ مهمة بالنسبة لهم فى الحياة. الناس تفكر فيما هو أدنى أو أسفل، وتنشغل بالغرائز الخشنة، لأنها لم يعد لديها سواها، لا تفكر، ولا تشارك، ولا تعرف معنى الحرية، أو الحدود بين العام والخاص، ليس أمامها مجال تمارس فيه نشاطا، فقط حياتها هو الشارع.