رؤساؤهم السابقون.. ورؤساؤنا المطاردون - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رؤساؤهم السابقون.. ورؤساؤنا المطاردون

نشر فى : الأحد 4 سبتمبر 2011 - 9:22 ص | آخر تحديث : الأحد 4 سبتمبر 2011 - 9:22 ص

 «رئيسنا السابق حى» كان أول ما خطر على ذهن زوجتى بعدما انتهى السيد عمر سليمان من إلقاء بيان تنحى الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك فى الحادى عشر من فبراير الماضى.

وعبرت زوجتى عن سعادتها الغامرة كونها تستطيع للمرة الأولى فى حياتها أن تستخدم مصطلح «رئيسنا السابق»، وهى سابقة لم تمارسها أجيال كثيرة من المصريين. وقررنا، زوجتى وأنا، أن نقيم احتفالا كبيرا بهذه المناسبة غير المسبوقة فى بيتنا فى ضواحى واشنطن، وقمنا بدعوة العشرات من الأصدقاء من مختلف جنسيات العالم لمشاركتنا هذه المناسبة، ولم يفهم الكثير منهم مغزى الاحتفال، وإن قدره وفهمه كثير من أصدقائنا العرب والمصريين.

وإذ مصر بصدد بدء تجربة ديمقراطية حقيقية، من المهم التذكير بأن فكرة الديمقراطية كنظام حكم تقوم فى جوهرها على عدة مبادئ أساسية منها أنها تعكس اختيار الأغلبية، وتقوم على فصل السلطات، وسيادة القانون، واحترام حريات الإنسان وحقوقه، إلا أن السماح «بتداول سلمى للسلطة» يبقى فى نظرى أهم المبادئ اللازمة للحكم على وجود نظام ديمقراطى من عدمه.

وتسبب ربيع الثورات العربية التى قارب صيفها على الانتهاء أن يصبح لدى الشعوب العربية، خلال ستة أشهر فقط، أربعة رؤساء سابقين، فى سابقة لم تعهدها هذه الشعوب.

الرئيس الأول السابق تونسى، زين العابدين بن على، الذى لجأ للمملكة العربية السعودية بعد هروبه يوم 14 يناير الماضى، إثر نجاح الثورة الشعبية السلمية فى الإطاحة به وبعائلته. وحكم بن على، وهو الرئيس الثانى لتونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956، بلاده منذ عام 1987، بعد انقلابه على الرئيس التونسى الحبيب بورقيبه، وأعيد انتخابه، وبأغلبية ساحقة فى كل الانتخابات الرئاسية التى جرت، وكان آخرها فى 25 أكتوبر 2009.

ووجهت حكومة تونس طلبا رسميا إلى السلطات السعودية لتسليمها الرئيس التونسى السابق بعد توجيه مجموعة تهم له تتعلق بضلوعه فى جرائم القتل العمد والتحريض عليه. وكان بن على قد أدين من قبل بجرائم امتلاك أرصدة مالية وممتلكات عقارية فى عدة بلدان بطرق غير شرعية، والقيام بعمليات غسل أموال.

الرئيس السابق الثانى مصرى، وهو رابع رؤساء مصر منذ تأسيس الجمهورية بعد انقلاب 1952 العسكرى، هو يرقد مريضا فى أحد المستشفيات المصرية منتظرا معاودة محاكمته. وقدم مبارك للمحاكمة العلنية بتهمة قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير. وأصبح مبارك أول رئيس عربى سابق تتم محاكمته بهذه الطريقة، أمام محكمة مدنية فى 3 أغسطس 2011.

وحكم مبارك مصر منذ عام 1981، بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، واعتبرته دورية فورين بوليسى «حاكم مطلق مستبد يعانى داء العظمة وشغله الشاغل الوحيد أن يستمر فى منصبه، ومبارك يشك حتى فى ظله وهو يحكم البلاد منذ 30 عاما بقانون الطوارئ لإخماد أى نشاط للمعارضة وكان يجهز ابنه جمال لخلافته». ومثله مثل بن على فقد فاز بكل الانتخابات الرئاسية منذ بدء حكمه، وكان آخرها انتخابات عام 2005.

ثالث الرؤساء السابقين يمنى، ويرقد أيضا على عبدالله صالح على فراش أحد مستشفيات السعودية أثر تعرضه لمحاولة اغتيال يوم 3 يونيو الماضى.

وحكم عبدالله صالح اليمن منذ قيام الوحدة عام 1990، وكان قبلها رئيس الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالى) منذ 1978، بعدما تم اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمى. ويكتنف مصير الرئيس السابق على عبدالله صالح بعض الغموض إثر استمرار مطالبة ثوار اليمن برحيله منذ بدء مظاهراتها فى منتصف يناير الماضى، وحتى الآن. ويتهم الثوار عبدالله صالح بالتسبب فى التخلف والأمية والفقر والفساد الذى تعانى منه اليمن لسنين طوال.

الرئيس السابق الرابع ليبى، اختار أن يعيش مطاردا بين دروب صحراء بلاده. وقاد معمر القذافى، وهو ملازم سابق فى الجيش الليبى انقلابا عسكريا على الملكية الدستورية أسماه ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 وأطاح من خلاله بحكم الملك إدريس الأول واستلم سدة الحكم. تعد سنين حكمه لليبيا التى طالت نحو 42 عاما هى أطول سنين حكم لحاكم غير ملكى فى التاريخ.

وسقط نظام العقيد الليبى يوم 22 أغسطس الماضى بعدما اقتحم الثوار باب العزيزية معقل العقيد القذافى بمساعدة كبيرة من حلف الناتو. وتتم الآن عمليات تطهير طرابلس ومدن ليبية أخرى من الكتائب الأمنية التى مازالت تدين بالولاء للقذافى.

وعلى النقيض من رؤسائنا المطاردين أو الواقفين أمام سدة القضاء لمحاكمتهم، تنعم الديمقراطيات المستقرة بظاهرة وجود رؤساء سابقين أحياء يعيشون حياة كريمة طبيعية بعد انتهاء فترة حكمهم.

وتنعم الولايات المتحدة بتقاليد ديمقراطية عريقة خاصة فيما يتعلق بالتداول السلمى للسلطة، وهو ما أوجد أربعة رؤساء سابقين على قيد الحياة، اثنان من الحزب الديمقراطى، جيمى كارتر الذى حكم فترة واحدة امتدت لسنوات أربع من 1977 إلى 1981 وبيل كلينتون الذى حكم فترتين منذ 1993 حتى 2001. واثنان من الحزب الجمهورى، جورج بوش الأب الذى حكم فترة واحدة من 1989 وحتى 1993، وجورج بوش الابن الذى حكم فترتين من 2001 وحتى 2009.

وينص القانون الأمريكى الخاص بالموظفين الحكوميين على عدة حقوق للرؤساء السابقين، ويحق لهم أن يحصلوا على مرتب ثابت حتى وفاتهم، طالما أنهم لا يتكسبون من أى وظيفة أخرى.

ويحصل الرئيس السابق على معاش سنوى مقداره 161 ألف دولار، إضافة لتحمل الحكومة الفيدرالية لتكاليف مكتب وعدد قليل من المساعدين لفترة زمنية تبلغ أربع سنوات ونصف. ويحق للرئيس السابق استخدام مجانى للخدمات البريدية، ويحق له استخدام جواز سفر دبلوماسى، كما يحق لزوجة الرئيس السابق الحصول على معاش إذا ما ترملت.

كذلك يحق لكل رئيس سابق أن ينشئ مكتبة وطنية تحمل اسمه فى ولاية مسقط رأسه. وتغطى هيئة التوثيق الوطنية تكاليف إنشاء هذه المكتبات الرئاسية التى تجمع بين جدرانها تفاصيل حياة الرئيس السابق وتوثق لفترة حكمه.

كما يتمتع الرئيس السابق بحماية له ولأسرته لمدة عشر سنوات بعد انتهاء فترة حكمه. كما تخصص الحكومة الفيدرالية مليون دولار سنويا لسفريات وأمن الرئيس السابق، ونصف مليون لسفريات وأمن حرم الرئيس السابق. يجب ألا تغفل منظومة القوانين الجديدة عن تحديد مخصصات الرؤساء السابقين الذين ستأتى بهم الديمقراطية الوليدة، وأتمنى أن يعيش رؤساء مصر بيننا سنينا لينعموا بمخصصات ومكانة الرئيس السابق.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات