كتبت بسمة قضمانى، مديرة مبادرة الإصلاح العربى، مقالا نشر بصحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية يتحدث عن ضرورة وجود ائتلاف من القوى الدولية والإقليمية لهزيمة داعش، وأن قوى المعارضة لم يعد بإمكانها محاربة هذه الجماعة وحدها. جاء فى المقال إن الوسطاء المحترفين يعتقدون أن أطراف النزاع لا يتولد لديها حافز للدخول فى مفاوضات جادة إلا عندما يجدون أن الألم الناجم عن استمرار الأعمال العدائية أكثر حدة من ألم التنازلات اللازمة لوضع حد لها. ووفقا للعديد من الدبلوماسيين، تعتبر المشكلة فى الحرب الأهلية فى سوريا، أن نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة لم يصلا حتى الآن إلى «طريق مسدود يؤذى فيه كل منهما الآخر».
وأشارت قضمانى إلى أن مشكلة هذه النظرية تتمثل فى أنها لا تحدد من الذى سيصاب بأذى. والحقيقة أن المدنيين السوريين يشعرون بالألم أكثر من النظام، فى حين أن حركة داعش الوحشية التى تعتبر نفسها الآن دولة إسلامية، تشهد ازدهارا.
وتضيف الكاتبة، ثلاث سنوات ونصف السنة فى حرب كارثية، حققت داعش المستحيل تقريبا بتوحيد جميع الأطراف المتعارضة: الولايات المتحدة وأوروبا وإيران وروسيا، ومختلف الفصائل اللبنانية، والحكومة العراقية الجديدة، وبطبيعة الحال، الأسد. فقد كان الرئيس السورى يشترى البترول من الحركة (مما كان يمثل جزءا كبيرا من مواردها حتى وضعت يدها على آبار البترول والغاز فى العراق) ولكنه يقصفها الآن بفخر ليضمن أنه فى الجانب الصحيح من الإجماع الجديد.
كانت المعارضة المعتدلة هى أول من نبه العالم إلى التهديد المتزايد للإرهاب فى سوريا. ففى ديسمبر 2011، واستطردت قائلة؛ عندما كنت عضوا فى المجلس الوطنى السورى المعارض، كنا نقول لكل دبلوماسى التقيناه أن سوريا سوف تصبح قريبا مكانا خطرا جدا إذا لم يتم فعل شيء لوقف المذبحة. وأكدنا أن الاحتواء كان ضربا من الخيال، وأن النظام كان يشجع الجهاديين من أجل تشويه سمعة الطبيعة الديمقراطية للاحتجاج. وحذرنا من أن القوى الغربية ستضطر إلى التدخل لإطفاء الحريق الإقليمي. وعلى الرغم من أن الأمر ليس سببا للابتهاج، لم نعد وحدنا من نرى ذلك.
•••
وأضافت قضمانى قائلة، بالرغم من الإمكانيات الهزيلة، قاتلت المعارضة الوطنية داعش فى أوائل 2014 وأزاحتها من مناطق واسعة فى شمال سوريا، مما سمح بعودة الهيئات المدنية، بما فيها المحاكم، وتجدد ظهور المرأة فى الأماكن العامة. لكن الجماعة صارت أقوى من أن تستطيع المعارضة مواجهتها وحدها. وبعد اجتياحاتها المذهلة فى العراق، والأسلحة والأموال التى تسيطر عليها الآن، صار التهديد الذى تشكله داعش يصل إلى ما هو أبعد سوريا. ولا يستطيع سوى ائتلاف من القوى الدولية والإقليمية إصلاح الفوضى.
وقد نتجت قوة داعش عن أشكال مختلفة من المفارقات بين جميع الأطراف. فقد تلاعب البعض بالجماعة وأبرم معها صفقات فى حين سمح لها آخرون أن تنمو. والآن، بعد أن خرجت عن نطاق السيطرة، يجب على الجميع تحمل المسئولية لوقف ذلك. وعلى كل طرف أن يعيد تعريف حلفائه المرحليين والاستراتيجيين، بينما يحدد الأعداء الذين يتعين مواجهتهم أولا، والأعداء الذين يمكن أن يتحولوا إلى أصدقاء.
وأوضحت قضمانى أنه فى أعقاب هزيمة الجيش العراقى على يد داعش أوائل يوليو، سارع ائتلاف المعارضة السورى للإدلاء ببيان عن استمرار استعدادها للقتال فى المعركة التى خاضها وحده لمدة عام تقريبا. ولكنه أثبت بالفعل أنه يقف فى الجانب الصحيح. والآن حان الوقت كى تشكل المعارضة أسلوبها الخاص فى الواقعية.
•••
وترى الكاتبة أنه ينبغى على القوى الديمقراطية داخل سوريا أن تعلن بوضوح أنها ستواصل مواجهة داعش والنظام أيضا. ولكن يتعين عليها فقط قول ذلك؛ لأنها فى الواقع ليس لديها، ولم يكن لديها أبدا، وسيلة لهزيمة العدوين معا. وفى هذه اللحظة، لا تعتبر الأنباء سيئة بالنسبة للمعارضة المعتدلة.
أولا، هناك مبرر مقنع للتعاون بين البلدان التى تقف إلى جانب الأسد ضد المعارضة، والبلدان التى تدعمنا باعتبارها أصدقاء للشعب السوري. وهى ليست سوى مسألة وقت قبل أن يبدأ النظامان الخصمان فى طهران والرياض العمل معا.
ثانيا، كل إنجازات إيران فى السيطرة على كل من النظامين فى سوريا والعراق طوال العقد الماضى، تتحول إلى وبال. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، قدمت طهران دعما غير محدود للأسد. وفى العراق، دعمت نورى المالكى دون قيد أو شرط حتى منتصف أغسطس، عندما رضخت للإطاحة به. لكن يمكن أن تكون طهران أدركت تكلفة الاعتماد على حلفاء غير أكفاء. وصار عليها الآن التخلص من الموقفين وليس من المرجح أن تكون قادرة على تحمل هذا الجهد. ولا يوجد سيناريو فوز لإيران فى أى مكان.
ثاثا، هناك مخاطرة أن أكثر البلدان تخوفا من داعش (بما فيها إيران وروسيا، وآخرون) سوف ترغب فى دعم نظام الأسد، باعتباره القوة الأقدر على صد هذا الخطر. وبينما قد يكون هذا صحيحا على المستوى العسكرى، تعتبر سابقة العراق مفيدة. فقد فهمت جميع الأطراف، بما فى ذلك موسكو وطهران، أن السيد المالكى كان لابد من استبعاده من المعادلة السياسية حتى تصبح هناك فرصة لمواجهة داعش. وينطبق الشيء نفسه فى سوريا. فعلى طهران وموسكو التوقف عن اعتبار إطاحة الأسد بمثابة الهزيمة، وبدء العمل لضمان لتحقيقها.
واختتمت الكاتبة مقالها قائلة؛ لعل أفضل خيار أمام المعارضة السورية فى الوقت الراهن هو التريث ومشاهدة تحول الجهات الفاعلة إلى اتجاهات جديدة. وكما يقول الفرنسيون: «وجب الانتظار».