تظهر تكنولوجيات كثيرة على مدار الساعة تؤثر على جميع مناحى حياتنا، كاتب هذه السطور حصل على الدكتوراه مع بدايات القرن الحادى والعشرين وطوال أعوام الدراسة للدكتوراه لم تكن أشياء مثل سكايب وفيسبوك وجوجل ويوتيوب قد ظهرت بعد. لم تقتحم الانترنت حياتنا فى مصر وتغيرها إلى الأبد إلا بداية من النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى، كثير من التكنولوجيات تقتحم حياتنا دون أن نشعر، مثلا هل تتذكر أول مرة استخدمت فيها الواى فاى؟ غالبا الإجابة بالنفى. إن كانت الأمثلة السابقة على المستوى الشخصى هناك تكنولوجيات على مستوى الدول وتقرر كل دولة ما ستفعله بها مثل التكنولوجيات المتعلقة بتحلية المياه المالحة أو توليد الطاقة النظيفة. السؤال المهم هنا: هل يجب على الدولة دائما استخدام أحدث تكنولوجيا فى جميع المجالات أم لا؟
الحرص على استخدام أحدث التكنولوجيا فى مجال ما له محاسنه، أنت تضمن أفضل كفاءة بأقل تكاليف كما تضمن التفوق فى مجالات مثل المجالات العسكرية وتضمن خدمة أفضل فى المجالات الطبية وتضمن رفاهية أكثر فى المجالات الخدمية مثل مياه الشرب والكهرباء إلخ، كل هذه محاسن لا ننكرها، لكن يجب ألا نغفل الأخطار المتعلقة بالحصول دائما على أحدث التكنولوجيا.
أحدث تكنولوجيا دائما ما تكون عالية التكاليف جدا ثم يبدأ سعرها فى الانخفاض عندما يكثر استخدامها، أيضا فى البدايات تكون هناك بعض الأخطاء التى يتم تداركها فى الأجيال اللاحقة من تلك التكنولوجيا. أحدث التكنولوجيات عادة تحتاج أيدى عاملة أقل وهذا له نتيجتان: أولا قد ترتفع نسبة البطالة، تخيل مثلا أن الدول بدأت فى استخدام السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع وفى مدى زمنى قصير (طبعا بعد أن تصل تلك التكنولوجيا لمستوى الأمان المطلوب)، ستكون النتيجة كارثية من ناحية فقدان مئات الألوف من السائقين لأعمالهم، لذلك قد تضطر بعض الدول إلى التأخر عن عمد فى استخدام تكنولوجيا معينة حتى تستعد لمواجهة الوظائف التى ستختفى، أى تكنولوجيا جديدة تُستخدم على مستوى الدول تؤثر على سوق العمل لأن بعض الوظائف ستختفى ووظائف أخرى ستظهر لكن سرعتى الاختفاء والظهور مختلفتان وتعتمدان على الوضع الاقتصادى والاجتماعى لكل دولة. النتيجة الثانية لاستخدام تكنولوجيا حديثة هى كما قلنا ظهور وظائف جديدة لكن تلك الوظائف تحتاج تعليما أقوى من تلك التى تحتاجه الوظائف المختفية، يجب أخذ تلك النقطة الهامة فى الاعتبار عند اتخاذ قرار استخدام تكنولوجيا جديدة على مدى واسع فى دولة ما.
ما لم نكن نصنع تلك التكنولوجيا الجديدة بأنفسنا فاستخدام تكنولوجيا حديثة جدا تضعنا تحت تحكم الدولة المانحة لتلك التكنولوجيا من حيث الدعم الفنى وقطع غيار، هذا إن وافقت تلك الدولة من الأصل على إعطائنا أحدث ما لديها، مثلا إذا كنا نحصل على أجهزة سوبر كمبيوتر من الخارج فمن يضمن صيانتها وبرمجتها وإصلاحها؟
لا أريد أن يُفهم مما سبق أننى أشجع على أن نظل دائما متأخرين فى مجال التكنولوجيا أو نستخدم تكنولوجيا قديمة لكنى أعنى أننا يجب أن نفكر فيما نحتاجه الآن وما سنحتاجه فى المستقبل القريب والمتوسط والبعيد وكيف نستعد لاستقبال تلك التكنولوجيا الجديدة، واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى هى تجربة حية على استقدام تكنولوجيا حديثة على مستوى الدول فقد بدأ الكلام عن الذكاء الاصطناعى وأبحاثه فى أواخر خمسينيات القرن الماضى ثم أصبح حديث الدول المتقدمة منذ حوالى 2012 ثم أصبح حديث العالم كله منذ 2015.
هناك تكنولوجيا متقدمة جدا وتعتبر ساحة حرب حاليا بين أمريكا والصين وهى الحاسبات الكمية (كوانتم كمبيوتر)، لن ندخل فى تفاصيل علمية عنها الآن لكن تلك التكنولوجيا لو نجحت فستصبح الدولة المالكة لكمبيوتر من هذا النوع قادرة على كسر تشفير أغلب الشفرات الموجودة حاليا فى العالم فى غضون ساعات أو أيام قليلة، هذه أحد الاستخدامات، لكن لم تصل أى دولة حتى الآن إلى جهاز بهذه القوة بعد وغالبا عندما تصل إليه لن تعلنها صراحة فى البداية على الأقل، الموجود الآن من الحاسبات الكمية ما زال فى طور التجارب وليس بالقوة الكافية ويحتاج إمكانيات تكنولوجية ليست فى متناول أغلب الدول.
فماذا نحن فاعلون؟ للحديث بقية فى هذا الموضوع.