إن الدولة المسلمة الوحيدة فى حلف شمال الأطلنطى ــ الناتو ــ تعزز الصلات التجارية مع إيران، فيما تهدد هذه الخطوة بتقويض الجهود الغربية لمنعها من الحصول على السلاح النووى. وبينما يسعى الكونجرس لإصدار تشريع يهدف إلى معاقبة الشركات الأجنبية التى تبيع البترول إلى إيران، وتستعد الأمم المتحدة لبحث إمكانية فرض عقوبات أشد تأثيرا على هذا البلد فى حال فشلت جولة المحادثات النووية الجارية، احتفى القادة الإيرانيون هذا الأسبوع بزيادة حجم التبادل التجارى بمقدار ثلاثة أضعاف مع قوة ولاعب رئيسى فى الشرق الأوسط.
فمن هى إذن الدولة المارقة التى تقوض الجهود الغربية لمنع طهران من الحصول على السلاح النووى وتسعى للوقوف فى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة والغرب؟ هل هى سوريا؟ ربما، أو ربما السعوديون الذين لا يمكن للولايات المتحدة التنبؤ بأفعالهم؟ إنما فى واقع الأمر، الدولة هى تركيا، عضو الناتو، والعضو المرتقب فى الاتحاد الأوروبى، وأهم الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة فى العالم الإسلامى.
فقد أعلن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان فى أثناء زيارته لطهران فى يوم الأربعاء الماضى عن خطط تعزيز التبادل التجارى بين البلدين، بحيث يرتفع من سبعة مليارات دولار هى حجم التبادل الحالى، إلى حوالى 20 مليار دولار بحلول عام 2011. وتردد أن تركيا وإيران توصلتا إلى اتفاق حول مفاعلات الطاقة والبنوك وتطوير الغاز الطبيعى، وهو ما سيعوض عن أى آلام اقتصادية يمكن أن تلحقها الأمم المتحدة بإيران، عبر فرض عقوبات أكثر صرامة. وتثير هذه الصفقة القلق من أن تدير تركيا التى تمثل نموذجا للدولة الديمقراطية المسلمة وتعتبر بمثابة جسرا حيويا بين أوروبا والعالم العربى ظهرها للغرب، من أجل احتضان النظم الإسلامية فى الشرق.
بالطبع ربما تكون بعض هذه المخاوف مبالغا فيها. فعلى سبيل المثال، قيل الكثير من قبل عن تدهور علاقات تركيا بإسرائيل، حيث تحولت من الفتور إلى البرود بعد الهجوم على غزة عام 2008. غير أن هذه ليست سوى سياسات شرق أوسطية. ذلك أن أردوجان يعكس الغضب الشعبى إزاء أحداث غزة، ويعزز موقعه ومدى التأييد له فى الداخل عبر توبيخ إسرائيل. ولكن فى المقابل ليس هناك أى احتمال يذكر بأن تقطع تركيا علاقاتها مع إسرائيل، ومن ثم تخاطر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.
غير أن تطور العلاقة بين أنقرة وطهران أمر مزعج للجميع. ويمكن إلقاء جزء من اللوم على قيادات أوروبية من أمثال الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، حيث أدت معارضته لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى إلى إثارة المشاعر المعادية للغرب فى داخل تركيا. كما أن الثقة بالنفس التى انتابت تركيا مؤخرا عامل آخر. فبفعل نفوذها الاقتصادى وأهميتها الجيوبوليتيكية أصبحت فى وضع يسمح لها بتحقيق رغبات كانت قد ظلت معلقة لفترة طويلة بأن تكون لاعبا أساسيا على المسرح الدبلوماسى العالمى. ومغازلة إيران طريقة لتأكيد استقلالية تركيا عن القوى العالمية الراهنة.
وربما تصل الثقة فى النفس إلى ذروتها فى السابع من ديسمبر، عندما يتوجه أردوجان إلى واشنطن للقاء الرئيس أوباما. فمن المتوقع أن يكون أردوجان حاسما. غير أنه سيكون على أوباما إلقاء محاضرته الخاصة. ذلك أن حصول إيران على السلاح النووى ليس فى مصلحة تركيا، كما أن تأكيدات أردوجان المتكررة بأن طهران مهتمة فقط بالطاقة النووية السلمية إما ساذجة بدرجة تدعو إلى الضحك أو ساخرة بدرجة خطرة.
Copyright © 2009, Washington Post Writers Group