مأزق أحزاب المعارضة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأزق أحزاب المعارضة

نشر فى : السبت 4 ديسمبر 2010 - 10:41 ص | آخر تحديث : السبت 4 ديسمبر 2010 - 10:41 ص

 من أبرز نتائج المعركة الانتخابية التى لم تنته بعد أنها وضعت أحزاب المعارضة أمام سؤال كيانى، لا يمكنها الإفلات منه أو الالتفاف عليه. فلم يعد ممكنا أن يستمر النظام الحزبى على هذا النحو: حزب يفوز بالأغلبية الكاسحة، وأحزاب معارضة تحصل على الفتات. هذه ليست تعددية حزبية، والنظام الحزبى ذاته فقد بذلك الشرعية.

الأحزاب ليست منظمات خيرية، توجد مادام الخير موجودا، لكنها مؤسسات سياسية تنشأ بإرادة الأفراد، تعبيرا عن تحيزهم الأيديولوجى من ناحية، ورغبة فى الوصول إلى الحكم من ناحية أخرى. عندما لا يصبح فى المجتمع أيديولوجيا أو تحيز أيديولوجى، وتنتفى إلى حد الاستحالة إمكانية الوصول للحكم أمام أحزاب المعارضة يكون من العبث أن يستمر النظام الحزبى بصورته الحالية. وعندما يصبح وجود قوى المعارضة فى البرلمان، كما وكيفا، رهنا بإرادة الحزب الوطنى الحاكم نكون أمام حالة غريبة من القوامة السياسية، ويصبح الوجود الهامشى لأحزاب المعارضة ليس خدمة لأعضائها، بقدر ما هو خدمة للحزب الحاكم ذاته.

شرعية النظام الحزبى تهاوت، فقد ظلت أحزاب المعارضة تدافع عنها باستماتة فى وجه حركات التغيير السياسى بدءا من كفاية وانتهاء بحركة التغيير التى قادها الدكتور محمد البرادعى، ودخلت فى حرب ساخنة حينا وباردة أحيانا للدفاع عن وجودها، وشرعية النظام الحزبى التى تستدفئ بها، ولكن أثبتت التجربة أن شرعية بقائها ليست النظام الحزبى ولكن الحزب الحاكم ذاته، يمنح ويمنع، والاحتجاج الذى تمارسه هو عتاب المحبين فى منافسة غرامية.
عقدت فى العقود الأربعة الأخيرة ثمانية انتخابات، بالإضافة إلى الأخيرة التى تشهد فصلها الثانى غدا.

حمل ثلاثة منها سمات الاقصاء للمعارضة على نحو كربونى، وهى انتخابات 1979، و1995، و2010. وحمل سبعة منها رغبة فى الاحتواء الجزئى للمعارضة بفصائلها المتنوعة وهى 1976، 1984، 1987، 2000، 2005. وفى كل الأحيان ظل حضور المعارضة فى البرلمان رهنا بإرادة الحزب الحاكم، تمددا وانكماشا، حضورا وتغييبا، احتواء واقصاء.

وهكذا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما لم تعد هناك فرصة أو إمكانية أو مساحة لأحزاب وقوى المعارضة أن تشكل منافسا حقيقيا للحزب الوطنى. لم تعط هذه الفرصة، ولم تمتلك هى إمكانية تحقيق ذلك. وجاءت انتخابات 2010 لتكشف عوار النظام الحزبى، ولم يعد ممكنا أن نطلق على الكيانات السياسية القائمة أحزابا بالمعنى السياسى، فما معنى أن يكون هناك حزب لا يستطيع أن يرشح فى الانتخابات العامة أقل من 10% من أعضاء مجلس الشعب، ولا يزيد أعضاء أكبر أحزاب المعارضة الوفد فى البرلمان على أصابع اليد الواحدة ضمن أكثر من خمسمائة عضو؟ لا يمكن بأى مقاييس علمية أن نعتبر هذا حزبا بالمعنى المفهوم للأحزاب.

هذه الصيغة لم يعد من الممكن أن تستمر، فقد جربت على مدى أربعة عقود ولم تأت بنتائج سوى مزيد من الضعف والتهميش والانشقاق فى الأحزاب السياسية من ناحية، والهيمنة والنفوذ والغلبة للحزب الوطنى من ناحية أخرى. وليس معقولا الاستمرار فى نظام حزبى فقد شرعيته، ولم يعد يخدم سوى حفنة قليلة من أعضائه على قمة الهرم التنظيمى لأحزاب المعارضة.
الأحزاب تغلى من داخلها، استقالات، احتجاجات، غضب غير موجه. تارة فى وجه قيادات هذه الأحزاب، وتارة أخرى فى وجه الحزب الوطنى. الكل يعيش حالة من الإحباط، وهو ما يكشف أن هذه الأحزاب لا تمتلك رؤية لنفسها. فقد شاركت فى الانتخابات بعد أن طلبت ضمانات لم تحصل عليها مثلما حدث فى انتخابات عام 1990 قاطعتها الأحزاب، عدا حزب التجمع لعدم وجود ضمانات، ثم عادت عام 1995 تشارك فى الانتخابات وفق نفس الظروف التى قاطعتها من قبل.

هذه المرة كان لدى أحزاب المعارضة أمل فى أن توزع عليها مقاعد الإخوان المسلمين الثمانية والثمانين. ظنت أحزاب المعارضة أن الحزب الوطنى بحاجة إليها، وسيكون لها نصيب وافر من الغنيمة. فى الشهور الماضية الكل يكرر ذلك، والجميع فى انتظار المقاعد التى توزع عليهم، كما لو أن الحزب الوطنى زهد المكاسب السياسية، وكرس نفسه للحرب من أجل المعارضة.

فجأة دبت روح المشاركة فى أحزاب المعارضة، وبحثت عن مرشحين فى كل مكان، وفى ذاكرتها القريبة ما حدث فى انتخابات المحليات عام 2008م، ثم انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، وتستعد أن تحصد حفنة مقاعد ثمنا لمشاركتها فى الانتخابات، وأعطائها الطابع التعددى والتنافسى المرجو. لكن الحزب الوطنى كان لديه رأى آخر، أو كانت لديه رغبة ما فى توزيع بعض الفتات على هذه الأحزاب إلا أن مرشحيه لم يعطوه فرصة. وهكذا أعطت قيادات أحزاب المعارضة أكثر مما أخذت لأحزابها.

الخيارات المتاحة أمام أحزاب المعارضة محدودة، فى مقدمتها أن تترك قيادات هذه الأحزاب مواقعها، وتجرى بداخلها مراجعة جادة لما حدث، وتظهر قيادات أخرى تمتلك فكرا مختلفا، واستراتيجيات جادة للتعامل مع الواقع السياسى بعيدا عن علاقة السيد بالتابع السائدة. ثانيا: أن تعكف على طلب ضمانات واضحة للمشاركة الانتخابية مستقبلا، تصر عليها، وتربط قرارها النهائى بالمشاركة بوجود هذه الضمانات. وثالثا: أن تطور فيما بينها تحالفا ديمقراطيا أكبر، لأن التحول الديمقراطى فى الدول التى تشبهنا فى طبيعتها المهجنة ما بين الديمقراطية والتسلط، لم تنجز تحولها الديمقراطى بتشرذم أحزاب المعارضة، وسعيها لتحسين شروطها التفاوضية مع الحزب الحاكم بحثا عن مقعد أو مقعدين فى البرلمان، لكنها أنجزت تحولها الديمقراطى فى إطار تحالف ديمقراطى أكبر ضم إلى جوار الأحزاب السياسية رجال أعمال، ومثقفين، وإعلاميين، ويستمر هذا التحالف غير الايديولوجى حتى ينجز التحول الديمقراطى.

الحالة المصرية تقول: إن الأحزاب ستخشى على نفسها من التحالفات، وتبقى على هامشيتها وتشرذمها، أملا فى مكاسب محدودة عبر تفاهمات مع الحزب الوطنى. أحزاب المعارضة غير جادة، ويحرصون على أن يكون بقاؤهم سياسيا رهنا بإرادة الحزب الوطنى، وحركتهم تعبيرا عن رضاه، وهم لا يملكون سوى البقاء فى هذا المشهد السياسى، وعلى ما يبدو ليس فى داخلهم نوازع تدفعهم إلى السعى لتغيير شروط اللعبة السياسية بأكملها، فالقضية بالنسبة لهم مقعد أو أثنان فى البرلمان، وهم يعيبون على الحزب الوطنى بخله، وشح يديه هذه المرة. فهو احتجاج على البخل السياسى، أكثر منه من أجل التغيير والديمقراطية.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات