نشر معهد دول الخليج العربية فى واشنطن مقالا للكاتب جريجورى جوز، يقول فيه إن المسألة لا تتعلق ببقاء الولايات المتحدة أو انسحابها من المنطقة، لكن ماهية المصالح التى تبرر الوجود العسكرى الأمريكى... نعرض منه ما يلى
لقد كان «الانسحاب» موضوعا مناسبا لإثارة الجدل حول المستوى الصحيح لالتزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. لكن حتى أولئك الذين يؤيدون انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من المنطقة لا يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تنفصل دبلوماسيا واقتصاديا. الأغلبية العظمى من أولئك الذين يدعون إلى «البقاء» لا يعتقدون أن هذا يتطلب من القوات الأمريكية احتلال العراق وأفغانستان عسكريا، كما فعلت واشنطن لسنوات، ولذلك فهم يؤيدون قدرا من «الانسحاب» من ذروة الالتزامات العسكرية للولايات المتحدة.
تقع الخيارات الحقيقية للسياسة فى مكان ما بين «الالتزام» و«الانسحاب» ــ بين البقاء والرحيل. السؤال الصعب هو بالضبط: ما هى التهديدات التى تتطلب ردا عسكريا قويا من الولايات المتحدة لردع الأعمال المحتملة من قبل الدول المعادية، والرد على مثل هذه الأعمال والهجوم قبل وقوع مثل هذه الأعمال.
هل ينبغى على الولايات المتحدة استخدام القوة بشكل استباقى لاستبدال الأنظمة المعادية؟
فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، استخدمت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش القوة العسكرية لتغيير الأنظمة فى أفغانستان والعراق، تطبيقا للنظرية القائلة بأن الأنظمة المعادية ستؤوى الإرهابيين، وربما تزودهم بأسلحة الدمار الشامل. إن إخفاق الولايات المتحدة فى بناء دول مستقرة خلفا لسابقاتها فى العراق وأفغانستان، يجعل تكرار أى إدارة، للغطرسة فى استخدام القوة العسكرية أمرا مستبعدا.
هل ينبغى على قوات الولايات المتحدة أن تحمى الأنظمة الصديقة من الهجمات الخارجية؟
إن سجل أداء الولايات المتحدة واضح فى هذا المجال. إن الغزو السافر عبر الحدود الدولية للدول الصديقة هو أمر سوف تستخدم الولايات المتحدة القوة لمواجهته. أما إذا كان ينبغى عليها أن تستمر فى القيام بذلك فهذا سؤال مفتوح. فى حين أنه من المقبول عموما تسمية العديد من دول الشرق الأوسط بـ«حلفاء» الولايات المتحدة، إلا أنه ليس لدى الولايات المتحدة معاهدة تحالف تُلزمها بأن تهب للدفاع عن هذه البلدان. إسرائيل بشكل أساسى قادرة على الاعتناء بنفسها بما لديها من جيش هو الأقوى فى المنطقة. ومن الصعب تخيل أن مصر عاجزة عن التعامل مع احتياجاتها الأمنية العسكرية ضد أى هجوم محتمل. أما السعودية والأردن ودول الخليج الصغرى فأوضاعها أقل أمانا.
هل الوجود العسكرى للولايات المتحدة فى دول الخليج يردع هجوما تقليديا ضد هذه الدول؟
يعد قيام إيران أو العراق بغزو عسكرى تقليدى لإحدى هذه الدول أمرا مستبعدا جدا. يمكن القول بأن البنية التحتية العسكرية الأمريكية فى دول الخليج هى بوليصة تأمين، الأمر الذى يقلل، بشكل كبير، من هذه الفرص قليلة الاحتمال. كما يمكن القول أيضا إن الوجود الأمريكى فى هذه الدول يمكن أن يدعو إيران للانتقام منها، إذا ما وجدت الولايات المتحدة نفسها فى مواجهة مسلحة مع إيران.
هل ينبغى على الولايات المتحدة استخدام القوة لحماية تدفق النفط بحرية من الخليج؟
مرت عقود، وصناع السياسة الأمريكيون يقولون إن الوجود العسكرى فى الخليج كان أولا، وقبل كل شىء، لحماية التدفق الحر للنفط. وهنالك ثمة تساؤلات الآن حول مدى أهمية نفط الخليج لأمن الطاقة فى الولايات المتحدة، نظرا لتعافى إنتاج الطاقة فى الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك الجدل المتواصل الذى يفيد بأن المنتجين المحليين لا يستطيعون استهلاك النفط، لذلك فهم مضطرون لبيعه. وبالتالى، فإن الحماية العسكرية مضيعة للمال والأرواح. ومع ذلك، فإن رؤساء الولايات المتحدة يرغبون، فعلا، فى امتلاك القدرة على الضغط على منتجى النفط الخليجيين بشأن مسائل الإنتاج، وللمساعدة الدبلوماسية فى مجموعة من القضايا. فهل ما يزال بإمكانهم فعل ذلك إذا لم ير هؤلاء المنتجون واشنطن على أنها الضامن النهائى لأمنهم؟
هل ينبغى على الولايات المتحدة استخدام القوة لمنع الدول المعادية من امتلاك أسلحة الدمار الشامل؟
كانت حجة أسلحة الدمار الشامل هى المبرر الرئيسى العام لغزو الولايات المتحدة للعراق فى عام 2003. والسؤال المباشر الذى يواجه واشنطن فى هذا الشأن هو البرنامج النووى الإيرانى. لا يوجد دليل على أن إيران قد وصلت إلى نقطة التسليح النووى، ولكن هناك الكثير من القلق من أنها قد تفعل ذلك. كررت إدارة بايدن موقف الإدارات السابقة بأنها لن تتسامح مع امتلاك إيران لقدرات الأسلحة النووية. كانت جميع الإدارات السابقة، أخيرا، على استعداد لاستخدام وسائل سرية، عادة بالتعاون مع إسرائيل، لردع الطموحات النووية الإيرانية. من المرجح أن يكون بايدن على استعداد أيضا لاتخاذ إجراءات سرية. ومع ذلك، مع المفاوضات الجارية، حاليا، بشأن العودة للاتفاق النووى مع إيران التى يبدو أنها تتجه نحو الفشل، فقد يواجه الرئيس بايدن فى المستقبل القريب خيارا صارما يتمثل بين دعمه لضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أو أن يأمر شخصيا بمثل هذه الضربة.
خلاصة القول، إن الجدال حول سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط يحتاج للابتعاد عن الأفكار المجردة مثل «الالتزام» مقابل «الانسحاب» والانخراط فى المسائل الحقيقية حول المصالح التى تبرر وجود القوة العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط والتهديدات التى تبرر استخدام هذه القوة.
النص الأصلى: هنا