عندما انطلقت ثورة 25 يناير 2011 شارك فيها بقوة مشجعو الأهلى والزمالك وغيرهم من مجموعات ألتراس أندية مصر المختلفة، ألتراس أهلاوى والهوايت نايتس، وساهم الألتراس يوم موقعة الجمل فى الدفاع عن الميدان، واستمرت مشاركتهم فى الثورة حتى يوم كتابة هذا المقال.
وكانت البداية كما يذكر محمد جمال بشير فى كتابه: كتاب الألتراس.. عندما تتعدى الجماهير الطبيعة، «تحديدا فى يوم 22 يناير سنة 2011 ظهر فيديو على موقع يوتيوب مجهول المصدر يطمئن العازمين على النزول يوم 25 والمتخوفين من عنف الشرطة وقمعها، بأن هناك فصيلا مصريا قادرا على حمايتهم فى الشارع»، وقد أوفى الألتراس بوعدهم.
لكن هل يمكن تفسير مشاركة الألتراس فى الثورة بما تعرضت له تلك المجموعات من اعتداءات الشرطة منذ نشأت هذه المجموعات فى النصف الثانى من العقد الماضى، خصوصا فى الفترة ما بين عامى 2009 و2011؟
لا شك فى أن التجاوزات الأمنية مع الألتراس دفعتهم مثل غيرهم ممن تعرضوا طوال سنوات للانتهاكات إلى صفوف الثورة، لكن الألتراس أيضا مجموعات من الشباب المنظم المترابط الذى يحمل هموم الوطن بقدر ما يحب الرياضة ويشجعها.
والرياضة والسياسة فى تماس دائم منذ أقدم العصور، فأهم ثورة فى تاريخ الدولة البيزنطية، ثورة نيقيا، جاءت نتيجة للتنافس الرياضى بين فريقين من راكبى عربات الخيول، فريق الخضر وفريق الزرق، وكان التنافس بينهما يعكس الصراع الاجتماعى فى الدولة البيزنطية، وفى مصر كان التنافس بين البيوت المملوكية القاسمية والفقارية أو الحمر والبيض له جوانبه الرياضية.
أما فى القرن الماضى فقد ارتبطت نشأة النوادى الرياضة بالسياسة، لقد تأسس النادى الأهلى فى عام 1907 فى فترة محورية من تاريخ مصر، ولم يكن إنشاء النادى الأهلى مجرد تأسيس لناد للرياضة البدنية والنشاط الاجتماعى، بل جزء من حركة عامة فى المجتمع المصرى بدأت مع مطلع القرن العشرين، تواكب فيها نمو الحركة الوطنية وصعودها التدريجى مع بناء المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى الحديثة، فقد شهدت تلك السنوات تأسيس الأحزاب السياسية التى تعبر عن التيارات الأساسية فى المجتمع، كما شهدت تلك السنوات أيضا تأسيس نادى المدارس العليا كناد سياسى اجتماعى نقابى يجمع طلاب المدارس العليا وخريجيها فى تنظيم واحد يدافع عن مصالحهم وينمى الروح الوطنية بينهم، وكان هذا النادى الذى عقدت جمعيته العمومية الأولى فى ديسمبر 1905 وافتتح رسميا فى أبريل 1906 أول شكل من أشكال التنظيمات الطلابية فى مصر، وقد لعب دورا مهما فى النضال الوطنى حتى جمدت سلطات الاحتلال نشاطه مع قيام الحرب العظمى سنة 1914.
نفس الفترة عرفت الدعوة لإنشاء الجامعة الأهلية وافتتاح الدراسة بها بالفعل فى ديسمبر من عام 1908، لتكون نواة للجامعات المصرية الحديثة فيما بعد، وعام 1908 نفس العام الذى شهد افتتاح مدرسة الفنون الجميلة التى أسسها الأمير يوسف كمال أحد رعاة النهضة الثقافية فى مصر. وتأسست فى 1909 «نقابة عمال الصنائع اليدوية» بدعم من الزعيم محمد فريد الرئيس الثانى للحزب الوطنى لتبدأ بذلك مرحلة جديدة فى تاريخ الحركة العمالية المصرية.
وفى نفس الحقبة تأسست مجموعة من الجمعيات الأهلية كان من أبرزها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء التى ما زالت قائمة نشطة إلى يومنا هذا. فى هذا السياق الذى شهد صحوة على كل الأصعدة فى المجتمع المصرى تأسس النادى الأهلى ليكون ناديا وطنيا، رغم وجود بعض الأجانب بين أعضائه، لكن فكرته الأساسية هى إنشاء ناد رياضى اجتماعى للمصريين فى مواجهة نادى الجزيرة الذى كان ناديا للأجانب، ومن هنا اتخذ النادى الأهلى اللون الأحمر شعارا له، فقد كان علم مصر وقتها أحمر اللون.
وبهذا المعنى كان النادى الأهلى جزءا من المشروع الوطنى الكبير الذى مهد الأرض للصحوة الكبرى التى أعقبت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها بقيام ثورة 1919، وإذا كان نادى الجزيرة ناديًا للأجانب والنادى الأهلى ناد للأهالى ومن هنا أخذ اسمه، فإن النادى المصرى الكبير الثانى نادى الزمالك، حاول أن يجمع بين الفئتين وحمل اسمه فى مرحلته الأولى اسم النادى المختلط، ثم أصبح اسمه بعد ذلك نادى فاروق ورأسه حيدر باشا قائد الجيش، ثم تحول بعد انقلاب 23 يوليو إلى نادى الزمالك، ومن هنا فقد ظل النادى الأهلى مرتبطا بالحركة الوطنية وبالشعب، وربما كان هذا سر جماهيريته الواسعة التى لا نظير لها، والنادى الأهلى من أول أنديتنا الرياضية التى كون مشجعوها رابطة خاصة لهم، كان دورها تنظيم عمليات التشجيع، وتنظيم سفر المشجعين خلف النادى، وفى منتصف الستينيات قامت إدارة النادى بحل الرابطة بسبب تدخلاتها فى شئون النادى واللاعبين، ومع ذلك ظل للنادى كبير مشجعين، وكان أشهر من حمل هذا اللقب طلبة صقر، وهو بالمناسبة أحد قيادات الحركة الطلابية سنة 1935، والتى عرفت بثورة الشباب، كما كان محمود لاشين سكرتير عام النادى فى الستينيات هو الآخر من قيادات تلك الحركة، وفى تلك الفترة كان جورج سعد كبيرا لمشجعى الزمالك، وقد كتب أحمد فؤاد نجم مناظرة شعرية على لسانهما فى ديوان له كان عنوانه «بين الأهلى والزمالك» صدر عام 1965.
وفى تسعينيات القرن الماضى عادت روابط المشجعين إلى الظهور مرة أخرى وتطورت فى العقد الأول من الألفية الثالثة لتصبح جماعات ألتراس على غرار الجماعات الموجودة فى أوروبا، والتى ظهرت للمرة الأولى فى عالمنا العربى فى دول الشمال الأفريقى.
وبالمناسبة فإنه كان للنادى الأهلى نشيد كتبه فكرى أباظة عام 1957، عندما احتفل النادى الأهلى بعيده الذهبى وقد لحنه الموسيقار محمود الشريف، يقول النشيد:
قوم يا أهلى شوف ولادك والبنود..
شوف كتايبك.. شوف جنودك والحشود..
شوف آيات النصر فى كل العهود..
شوف وسجل بيها أمجاد الخلود..
إنت دايما.. إنت دايما.. إنت دايما فى الأمام..
كل نعمة فى رحابك عندنا دى مشيئة وإرادة ربنا
من شيوخك اكتسبنا مجدنا
وبشبابك احتفظنا باسمنا
إنت دايما ... إنت دايما.. إنت دايما فى الأمام..
الرياضة دى غريزة فى طبعنا...
من زمان جريتها جرى فى دمنا..
والبطولة منبتها فى أرضنا..
أهديناها للجميع من عندنا..
إنت دايما.. إنت دايما.. إنت دايما فى الأمام..
لما نادانا المنادى بالفداء..
فى البحار وفى القفار وفى السماء..
استجبنا واكتسبنا بالدماء..
واحتسبنا فرقة للشهداء..
إنت دايما.. إنت دايما.. إنت دايما فى الأمام.