الرجل الثنائي - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرجل الثنائي

نشر فى : السبت 5 مارس 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : السبت 5 مارس 2016 - 10:30 م
هل سمعت عن رشدي فكار؟ أغلب الظن ستكون الإجابة بالنفي.. للأسف!


هذا العبقري "الثنائي" المولود عام 1928 في قرية الكرنك بمحافظة قنا، اجتاح الأوساط العلمية الأجنبية كالعاصفة، فلم يكن أحد يتصور أن هذا الطفل الصغير الذي كان يحفظ القرآن في كتّاب القرية سوف يُطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة السويسرية!


اختارته الحكومة السويسرية ليكون واحدًا من فريق من العلماء يفحصون بكل الطرق العلمية مشكلات سويسرا الناجمة عن الثروة المتضخمة، ويُعتبر الدكتور رشدي فكار أول عربي ينضم لمجمع الخالدين بفرنسا (الأكاديمية الفرنسية للعلوم) ورئيسا لجمعية الإيدو العالمية التي تضم في عضويتها الحاصلين والمرشحين لجائزة نوبل العالمية وعضو بما لا يعد ولا يحصى من الجمعيات والمعاهد العلمية وأول مصري وعربي وأول مفكر من العالم الثالث بعد الشاعر الهندي طاغور تقر الأكاديمية السويدية ولجنة نوبل في الآداب ترشيحه رسميًا للجائزة (ولكنه للأسف توفى قبل أن يحصل عليها).. فما هي الحكاية؟ ولماذا سميناه بالعبقري الثنائي؟


الدكتور رشدي فكار حصل على درجة الليسانس مرتين، ودبلوم الدراسات العليا، وحصل على الدكتوراه مرتين!


حصل على الثانوية الأزهرية وبكالوريا مدرسة الحقوق الفرنسية (في نفس الوقت!!)، حصل على دبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع من جامعة بوردو بغرب فرنسا، ونال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في علم الاجتماع سنة 1956 ثم شهادة دكتوراه الدولة من سويسرا في علم النفس من جامعة نيوشاتل عام 1967، عمل مدرسا في جامعة السوربون وجامعة جنيف (حيث حصل فيها على درجة الأستاذية) قبل أن ينتقل للتدريس في جامعة محمد الخامس بالمغرب.


للدكتور رشدي فكار أكثر من 140 عملا علميا من كتب وبحوث باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، كان يعد من أكبر المرجعيات العلمية في الماركسية بل كان يعتبر من أكبر خمسة متخصصين في أصول الماركسية في العالم، والغريب أنه وظف تخصصه العميق في الماركسية من أجل تعرية هذه الفلسفة وبيان تهافتها! نذكر هنا معجمه الموسوعي "علم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجية الاجتماعية"، كما طبق المنهج العلمي الحديث في دراسة العلوم الإسلامية وفق نظرة جديدة.


يقول عنه أحد تلامذته في جامعة محمد الخامس: "كان رحمه اللّه دمث الخلق، عميق التفكير، يشدك إلى محاضراته بطريقته المحببة الكريمة المعطاء، وأسلوبه الشيق السمح الذي انفرد به بين أساتذة جامعة محمد الخامس. كان غزير المعارف، قوي الحجة والمنطق، يستعمل المنهج العلمي الرصين في تناوله القضايا والمشكلات الحضارية المعاصرة".


فنحن الآن أمام باحث من الطراز الأول ومعلم رفيع المستوى، ونادر جدا أن تجتمع القدرة البحثية والقدرة على إيصال المعلومة، أينشتاين على سبيل المثال كان باحثا من الطراز الأول ولكنه لم يكن بالمدرس أو المشرف الجيد، الجمع بين المستوى البحثي الرفيع ومستوى التدريس الرفيع موضوع ينبغي أن نتحدث فيه في مقال منفصل لاحقا.


على الرغم من اغتراب الدكتور رشدي فكار واستقراره في فرنسا وسويسرا والمغرب إلا أنه كان يتواصل باستمرار مع مصر، ولم يتخل عن اللهجة الصعيدية ويقول "أفخر دائمًا بأنني إنسان قروي وبسيط وأعتز بمكان مولدي رغم أنني أقيم في الغرب".


رحم الله الدكتور رشدي فكار الذي غادر دنيانا في 5 أغسطس 2000 بالمغرب إثر أزمة قلبية مفاجئة.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات