يوفال ديسكين
إن المناقشات الدائرة فى الوقت الحالى حول إطلاق «الدفعة الرابعة» من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية التى ثمة ادعاء بأنها تشمل أيضا إطلاق مخربين عرب من مواطنى دولة إسرائيل، جعلت الجدل العام فى هذه القضية الحساسة المشحونة يطفو على السطح بقوة كبيرة.
معروف أن «الدفعة الأولى» من إطلاق الأسرى الفلسطينيين مرّت بهدوء نسبى فى ظل صفقة سياسية تمت أساسا بين رئيس الحكومة الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو» ورئيس حزب «البيت اليهودى» «نفتالى بينت» الذى يقوم حاليا بدور قائد خط معارضة هذه العملية. وعلى ما يبدو، شملت الصفقة التزام «البيت اليهودى» غض الطرف عن العملية فى مقابل مناقصات بناء جديدة فى المستوطنات عن كل دفعة.
على المستوى المبدئى أعارض بصورة شديدة إطلاق أسرى فلسطينيين تحت، أى ضغط أو ابتزاز أو أى عملية مساومة حتى لو كان ثمن ذلك عدم الإفراج عن جندى أو مواطن مختطف. وأقول هذا حتى بصفتى أبا لثلاثة أبناء يخدمون الآن فى الجيش الإسرائيلى ضمن وحدات قتالية.
وأعتقد أيضا أنه حتى لو كان هذا القرار قانونيا تماما بالنسبة إلى الحكومة، فان إطلاق الأسرى تحت طائلة الضغط يلحق أضرارا جمّة بقدرة دولة إسرائيل على الردع، ويوحى بالضعف، ويشجع على عمليات مساومة أخرى، ويعزز من جديد البنى التحتية للإرهاب، ويمس على نحو شديد مشاعر عائلات وقعت ضحية للإرهاب ومشاعر أجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلى.
فى المقابل أعتقد أن بإمكان الحكومة فى حالات ما أن تتخذ قرار إطلاق أسرى، بمبادرة منها لدفع عملية السلام قدما، شرط ألا يكون ذلك تحت ابتزاز أو ضغط منظمة إرهابية أو دولة أخرى.
بسبب الحساسية العامة المفرطة من الأفضل أن تؤجل عملية كهذه قدر الإمكان، إلى مراحل متقدمة أكثر من المفاوضات، تكون شهدت تحقيق بعض الإنجازات أو التقدّم، وبالتالى يمكن تفسيرها للجمهور ولعائلات ضحايا «الإرهاب».
كما أننى أعارض إطلاق أسرى من مواطنى دولة إسرائيل العرب واليهود تحت، ضغط جهة خارجية، فهذا برأيى يشكل تدخلا سافرا فى شئون سيادة دولة إسرائيل ويؤدى فعلا إلى تعزيز صلة مواطنى إسرائيل العرب بمواطنى السلطة الفلسطينية، وهذه سابقة خطرة. إن قضية الأسرى من مواطنى دولة إسرائيل هى قضية سيادية داخلية للدولة، وقرار إطلاقهم يجب أن يكون قرارها الداخلى فقط وأن يكون ناجما عن تقديراتها لا عن أى ضغط خارجى لدولة أجنبية.
أرفض أيضا فكرة الربط بين إطلاق مخربين فلسطينيين وإطلاق مخربين يهود، إن قيام مواطنين من الدولة بأخذ زمام القانون فى أيديهم وممارسة الإرهاب ضد أبرياء عمل آثم خطر لا مثيل له ويجب مواجهته بكل قوة. والمعاملة المتسامحة إزاء ممارسات كهذه كما حدث من قبل فى إسرائيل فى ما يتعلق بـ«التنظيم الإرهابى اليهودى السرى» أمر مرفوض قد يشجع على تكرار هذه الخطوة ويقوّض المبرّر الأخلاقى لفرض عقاب شديد على مخربين مشتركين فى الإرهاب فى الجانب الفلسطينى.
إذا صحّت الأنباء التى نُشرت بأن إسرائيل، تعرض الآن إطلاق 400 مخرب بمن فى ذلك أسرى عرب من مواطنى دولة إسرائيل، فى مقابل موافقة الفلسطينيين على تمديد فترة المفاوضات ستة أشهر أخرى، فمن الواضح أن الحكومة نجحت انطلاقا من رغبتها فى الحفاظ على بقائها، فى أن تدفعنا نحو عملية مساومة سياسية مستمرة من دون الحصول على أى مقابل سياسى حقيقى.
بناء على ذلك، أعتقد أنه يجب فورا وقف إطلاق الأسرى الذين يجرى الحديث، فى شأنهم وبضمنهم «الدفعة الرابعة» أو أى صفقة إطلاق أسرى فى المستقبل، وأن يتم عرض موقف إسرائيلى بديل يتضمن استعدادا لتجميد أعمال البناء فى كل المستوطنات والبؤر الاستيطانية بصورة موقتة (على الأقل حتى نهاية فترة المفاوضات) وتجميد مطلق (من دون تحديد وقت) لأعمال البناء فى المستوطنات والبؤر الاستيطانية الواقعة خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة.
يجب على الحكومة الإسرائيلية أن توضح أنها لن توافق على مناقشة عملية، إطلاق أسرى إلا فى مراحل متقدمة من المفاوضات السياسية، شرط تحقيق إنجازات حقيقية. وأعتقد أنه يجب عرض هذا التوجه باعتباره «خطا أحمر» سياسيا على كل من السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة حتى لو كان ثمن ذلك اندلاع أزمة سياسية موقتة.
ولا شك فى أن إجراء من هذا القبيل من شأنه أن يحسّن بقدر ما الشعور السائد، لدى أوساط واسعة من الجمهور الإسرائيلى العريض، يعتقدون بحق أن دفعات إطلاق الأسرى الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية لا تنطوى حاليا على أى فائدة سياسية.