جماعة الشعب أم شعب الجماعة؟ - ابراهيم عرفات - بوابة الشروق
الجمعة 27 سبتمبر 2024 8:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جماعة الشعب أم شعب الجماعة؟

نشر فى : السبت 5 مايو 2012 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 5 مايو 2012 - 8:05 ص

على جماعة الإخوان المسلمين أن تهتم بمنتقديها اليوم أكثر من أى وقت مضى. لا أقصد أن ترد على الكلمة بعشرة والندوة بمؤتمر والمقال بكتاب. لا، ما أقصده أن تأخذ كثيرا من تلك الانتقادات على محمل حسن. عليها أن تفرز وتميز بين من يتمنى لها الحسرة والخسارة ومن يعتبرها، برغم اختلافه معها، جزء لا يتجزأ من النسيج الوطنى يجب أن يبقى ويستمر، لكن بطريقة واضحة لا لبس فيها أو مواربة.

 

فالجماعة علامة من علامات السياسة والتاريخ المصرى المعاصر. لكن برغم كبر سنها يستطيع أى مراقب لها أن يرصد فى سلوكها حالات تعبر أحيانا عن طيش سياسى وأحيانا أخرى عن رومانسية جارفة. والسبب وراء ذلك واحد، وهو أن الجماعة لم تقدم إلى الآن جوابا واضحا لسؤال يتصل بهويتها. فهل هى جماعة من جماعات الشعب تعمل للشعب؟ أم أنها تريد أن يكون الشعب ملكا للجماعة؟ قادتها يقولون إنها نشأت من الشعب وتعمل لكل الشعب. لكن ممارساتها تظهر أنها تضع نفسها فوق الشعب، تمارس وصاية عليه لم يطلبها، وتعتبر أنها مسئولة عن رشده وهدايته حتى يتحول كل الشعب إلى جماعة إخوان مسلمين كبيرة يلتزم كل فرد فيه بالسمع والطاعة فى المنشط والمكره.

 

وبرغم أن الجماعة الأكثر نشاطا إلا أنها مازالت الأكثر غموضا. وهى لهذا فى حاجة ماسة إلى مراجعة نفسها وإلى نقد شديد للذات. فأعظم الخطأ كما تقول الحكمة أن يعتبر أحد أنه منزه عن الخطأ. والجماعة أخطأت خلال العام الفائت وحده عدة مرات. وهى ليست أخطاء فى التصرف وإنما فى التفكير. فقد ظفرت فى شهور قليلة بما لم تظفر به طيلة تاريخها. كانت تعيش زمنا طويل بعيدا عن الأضواء، ثم فجأة وجدت نفسها ليس فقط فى دائرة الضوء بل وجدت أن مفتاح الضوء نفسه بات فى متناول يدها.

 

وبعيدا عن المثاليات الدينية التى تستحضرها الجماعة فى خطابها، فإن تصرفاتها تظهر كثيرا من العلو والغرور. نعم.. العلو والغرور. كان بإمكان الجماعة أن تستثمر الاضطهاد الذى تعرضت له لسنوات طويلة مضت لسنوات أطول ستأتى. لكن لأخطاء فى دوائر التفكير لديها ارتأت الجماعة أن تحرق المراحل وأن تحاول جمع الرباعية: مجلس الشعب، ومجلس الشورى، ولجنة صياغة الدستور، والرئاسة. وكان من المنطقى أن يشك الناس فيها. فليس مهما أن تعتقد الجماعة أنها طيبة، إنما المهم أن يصدق الناس ذلك. ولا يكفى أن تقول الجماعة أنها مع التوافق وإنما أن تأتى تصرفاتها على غرار ما تقوله.

 

***


لقد خسرت الجماعة حتى لو كسبت. كسبت أغلبية برلمانية لخمس سنوات، قد لا تدوم، لكنها خسرت كثيرا من صورتها المجتمعية. كانت باستطاعتها لو قدمت نفسها بتواضع على أنها جماعة من جماعات الشعب أن تربح مزيدا من التعاطف والتقدير. لكنها بدأت تتصرف على أن الشعب هو شعب الجماعة تفعل فيه ما تريد، فكان أن أرسلت إشارات خاطئة الواحدة تلو الأخرى وفى كل اتجاه.

 

لدى الجماعة باختصار مشكلة فى نظام التأشير signaling. تعطى إشارة بأنها ستتجه يمينا ثم تفاجئ باقى الحافلات بأنها تنعطف يسارا. قالت مثلا أنها لن تتنافس إلا على 30% من مقاعد البرلمان ثم وجدناها تقتحمه، وتعهدت لله والناس ألا تقدم مرشحا باسمها للرئاسة ثم نقضت عهدها. ومشكلة الجماعة ليست فى إيجاد تفسير لتباين تصرفاتها الأخيرة مع إشاراتها الأولى. فالتبرير فى السياسة سهل، وفى الشرع أيضا. فالأحاديث والآيات حمالة أوجه وقابلة للتأويل والتوجيه. المشكلة عند الجماعة فى نقص حساسية أجهزتها فى حساب المصداقية وفى عدم تقدير خطورة التأشير الخطأ على صورتها والأهم على البلد بأكمله. ولغة الإشارة فى السياسة شديدة الأهمية. إذ تتخذ مقياسا للصدق ووسيلة لبناء الثقة. وبدون «تأشير سليم» لا بد أن تقع حوادث. وهذا ما يجرى الآن. فحوادث الصدام التى تكون الجماعة طرف فيها تزداد. وسوف تزداد أكثر فى الفترة المقبلة طالما بقى نظام التأشير فيها على ما هو عليه من خلل وعطب.

 

***


ولا يُعقل بعد الثورة أن يطالب المصريون بمراجعة كل ما كان يدور فى البلد ثم تستثنى الجماعة. فما يصدق على الكل يجب أن يصدق على الجزء. فالجماعة جزء من الشعب وهو أولى منها حتى لو كان أتباعها كثر. لكن الجماعة تريد أن تراجع الشعب دون أن يراجع هو مواقفها. وفى هذا دليل على ميل لديها إلى الهيمنة. الشعب بدأ ينقسم على الإخوان المسلمين. هناك أغلبية تريد الجماعة كجماعة من جماعات الشعب. أما الجماعة فتتصرف وكأن الشعب «بتاعها». يقتنع بما تقول ويرضى بما تقرر. وهذا خطأ فادح فى حق الشعب والوطن. كما أنه خطأ أوقعت الجماعة فيه نفسها بنفسها. وكم فى تاريخ الإسلام من حركات وجماعات قامت ثم زالت بعد أن توهمت أنها مسئولة عن هداية العالمين. ولهذا وبدون نقد ذاتى قوى قد تجد الجماعة فى أول أزمة كبيرة قادمة أن ما كسبته من تعاطف تقديرا لما بذلته خلال سنوات العسر قد ضاع كثير منه لأنها تصرفت بعلو لما جاءت سنوات اليسر. 

ابراهيم عرفات أستاذ العلوم السياسية في جامعتي قطر والقاهرة
التعليقات