سوء التقدير، وتجاهل المعلومات التى قد تكون فى متناول اليد، الباب الأول لدخول الكوارث، والعكس صحيح، فالاهتمام بالمعلومات والتعامل الجاد مع ما تحمله من حقائق أو مؤشرات عن قرب حدوث كارثة، تجنب من يتولون المسئولية، صغرت مهامهم أم كبرت، الوقوع فى فخ المصائب والنكبات التى ربما تظل الشعوب تدفع أثمانها الفادحة لسنوات طوال إن لم تكن لعقود، يتوارثها جيل عن جيل.
وفى حرب الخامس من يونيو 1967، لعب سوء التقدير بوجود نية هجومية لدى إسرائيل، فى نزول أقسى هزيمة بالجيش المصرى، بعد أن تم ترك جنودنا فى العراء بلا أى غطاء جوى بعد الهجوم الإسرائيلى على المطارات المصرية، فى أعقاب تعامل بعض القادة مع المعلومات التى تحدثت عن استعداد تل أبيب لشن حرب واسعة على الجبهتين المصرية والسورية باستخفاف، قبل أن يفيق الجميع على الصدمة مع صباح الخامس من يونيو الحزين.
قيل الكثير عن الأسباب التى أدت إلى هزيمة 5 يونيو، وسيقال الكثير أيضا فى مقبل الأيام، فالشعوب لا بد أن تدرس وتحلل المعطيات التى أدت إلى هزيمتها، عشرات أضعاف المرات لتلك التى أدت إلى تفوقها وتحقيق انتصاراتها، ليس حبا فى جلد الذات، ولا رغبة فى الوقوع فى براثن الأحزان، وحبائل عدم الثقة فى القدرات التى تتمتع بها، ولكن لمعرفة نقاط الضعف قبل القوة حتى يمكن علاجها، وتجاوز أوجه القصور ليس فى ميادين القتال وحدها، وإنما فى سائر القرارات التى تتخذ فى جميع مناحى حياتنا.
تجاهل المعلومات التى كانت تتحدث عن نية الإسرائيليين توجيه ضربة عسكرية إلى مصر فى يوم الإثنين 5 يونيو كان فى تقدير كثيرين أهم أسباب وقوع الهزيمة، فعندما يتحدث رئيس الجمهورية إلى قادة الجيش عن قرب وقوع العدوان الإسرائيلى بأيام ويحدد لهم يوم الهجوم نفسه، فيتم التعامل مع الأمر باستخفاف يصل إلى حد اللامبالاة، تكون الهزيمة قد وقعت بالفعل وقبل أن يحرك العدو ثلة من جنوده نحو جبهة القتال.
خلال اجتماع لمجلس الوزراء عقد فى 20 يونيو 1967، خصص للوقوف على ما جرى، تحدث الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلا: «الحقيقة من ضمن أسباب الهزيمة اللى احنا خدناها، إن القيادة العسكرية ماكانتش مصدقة أبدا إن اليهود هيهجموا! وأنا يوم الجمعة (2 يونيو) رحت حضرت اجتماع فى القيادة العليا، وكان موجود كل المسئولين وقائد الطيران وكله، وقلت لهم: إن تقديرى أن اليهود هيهجموا يوم الإثنين، وأول عملية هى ضرب الطيران!».
فى موضع آخر يتحدث عبدالناصر عن تحذيره عدة مرات من وقوع هجوم إسرائيلى يوم الإثنين 5 يونيو من خلال «استقراء للحوادث»، غير أنه وبكل أسف، كما يقول: «القوات المسلحة لم تأخذ الموضوع (بشكل) جدى وحصل اللى حصل، إن مطاراتنا كلها انضربت فى وقت واحد بدون ما يبقى فيه إنذار ولا حاجة!».
وعدم الجدية فى استقراء الوقائع، وسوء تقدير المعلومات، غير مقصور على مصر وحدها فى هزيمة 5 يونيو، فالخطأ نفسه ارتكبته إسرائيل فى حرب السادس من أكتوبر 1973، وطبقا لتقرير نشرته (الشروق 1 يونيو 2023) استنادا لما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» نقلا عن عدد من وثائق لحرب أكتوبر على موقع إلكترونى أطلقته وزارة الدفاع الإسرائيلية، ظهر مدى التخبط الإسرائيلى فى تقدير وقوع هجوم مصرى سورى مفاجئ قبل ساعات من اندلاع الحرب.
وبحسب التقرير فإن تقييمات إسرائيلية أشارت بوضوح إلى الفشل الأمنى والاستخباراتى فى تحديد شارة «انطلاق الحرب المباغتة التى شلت القوات الإسرائيلية» فى 6 أكتوبر 1973، وعلى سبيل المثال فإن تقييما استخباراتيا تحدث عن أن «احتمال نية المصريين لتجديد القتال ضعيفة.. واحتمال تحرك سورى مستقل (بدون المصريين) لا يزال ضعيفا» وهو على ما يبدو التقييم الذى استكانت إليه القيادة الإسرائيلية.
سارع الإسرائيليون بعد هزيمتهم إلى التحقيق فى أسبابها، من منطلق أن الأخطاء البشرية التى يكمن فيها سر الإخفاق موجودة وسط جميع الأمم والشعوب، لكن الفرق أن بعضها يحلل ويسائل، والبعض قد يتراخى أو يتقاعس، وتلك أهم العبر والدروس التى يجب تعلمها من أى هزيمة.