مع التأكيد على أهمية أن يكون لمصرنا الجديدة رد قوى وممنهج على الاعتداءات الإسرائيلية نتطهر به من إرث الماضى وممارسات النظام البائد الذى قدم ما هو أسوأ بكثير من نصوص معاهدة كامب ديفيد أتناول فى هذا المقال البحث فى خبايا لغة القانون ولغة السياسة التى أتناولها فى كتاب أقوم بكتابته بعنوان «حرب المائة يوم والنصوص المفتقدة» (وأقصد هنا حرب أكتوبر رمضان 1973)، حيث استمر النزاع على الأرض بين قواتنا وقوات العدو الإسرائيلى الى ان حدث اتفاق فك الاشتباك الاول فى عام 1974، ما يزيد على المائة يوم وقد تم فيها احكام حصار ثغرة الدفرسوار الإسرائيلية تماما وكان من الممكن تصفيتها بالكامل فى نهاية المطاف وذلك من خلال تحليل وثائق دولية عديدة، إلا أن التهديد الأمريكى كان واضحا ومن هنا بدأت محطات التفاوض وصولا إلى كامب ديفيد.
بتحليل نصوص معاهدة كامب ديفيد فى أحد الفصول المخصصة لذلك، بحثت فى وحدة النص «أى بحثت فى النص الذى تنشره وتعتمده إسرائيل، وفى نص هيئة الاستعلامات والخارجية المصرية وكذلك النص الذى ورد فى أدبيات دولية مهمة مثل نص المعاهدة كما تضمنها كتاب الرئيس الأسبق جيمى كارتر ــ فهو المهندس الأول ــ لاتفاقيات كامب ديفيد، ولكننى لم أجد فى هذه المصادر الثلاثة وفى كثير من الوثائق الأخرى العديدة الحاملة لنص الاتفاقية على شبكة الإنترنت نصا مهما جدا تتضمنه نصوص وملاحق الاتفاقية الأصلية كما ورد فى الوثائق الأمريكية (راجع نصوص الاتفاقية المنشورة من قبل مكتب الشئون العامة لوزارة الخارجية الأمريكية «الوثيقة رقم 8973») والذى أودع نسخة منها لجريدة «الشروق».
ولكن ما هو ذلك النص؟!.. إنه نص مذكرة التفاهم الأمريكية ــ الإسرائيلية الذى تم ادخاله ضمن ملاحق المعاهدة قبيل توقيعها فى عام 1979 والرد الفورى عليه من د.مصطفى خليل وتحفظه بل ورفضه له والذى تضمن 16 حجة مهمة تفند تلك المذكرة، وبالعودة مجددا بالبحث فى كتاب وزير الخارجية الأسبق إسماعيل فهمى بعنوان «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط» (دار الشروق طبعة 2006 ــ تقديم البرادعى وعمرو موسى) وجدت رصدا لهذه الحجج الـ16، ووجدت كيف أن مصطفى خليل قد اشتكى بنفسه لإسماعيل فهمى لاحقا وأنه رد على هذه المذكرة ورفضها دون أن يستأذن الرئيس السادات حسب كلام إسماعيل فهمى، لأنه كان يعتبرها موجهة ضد مصر واعتبرت المذكرة مصر بمثابة «العدو المحتمل» وتضمنت ضمانات إضافية لإسرائيل.. وذكر إسماعيل فهمى أن سيروس فانس لم يرد على خطاب خليل وأن السادات تجاهل اعتراضات خليل وتم توقيع معاهدة السلام فى 26 مارس (لاحظ أن الوثيقة الأمريكية تقول إن الاتفاق الأمريكى ــ الإسرائيلى كان فى 28 مارس ورد خليل كان فى نفس اليوم 28 مارس كذلك أفادت الوثيقة الأمريكية بأنه ــ وعكس ما ذكر فهمى ــ إن وزارة الخارجية الأمريكية قدمت تعليقا على رد د.مصطفى خليل واعتبرت أن هناك قراءة مخالفة للمضمون من قبل د.مصطفى خليل وأن الولايات المتحدة على استعداد لتوقيع وثيقة ثنائية مماثلة بين الولايات المتحدة ومصر. (ص38)
وفى سياق آخر أفاد كارتر بأنه قد ضغط لهدم 12 مستوطنة إسرائيلية وأنه قد دفع 4 مليارات جنيه لكى تترك إسرائيل قاعدتين جويتين فى وسط سيناء لتبنيهما داخل إسرائيل من جديد وأن تنسحب من شرم الشيخ.. حيث كانت هذه هى لاءات بيجن الثلاثة فى بداية التفاوض... وإذا كان هناك تقييد فى المنطقة (ج) فى سيناء، فهناك تقييد وتحديد فى المنطقة (ء) داخل إسرائيل.
كما أن المادة الأولى فى الاتفاقية تنص بوضوح على أن تمارس مصر سيادتها الكاملة على سيناء (Exercise its full sovereignty over the Sinai) ــ صفحة 4 فى الوثيقة الأمريكية ــ من هنا نشير إلى ما أورده أحمد الصاوى فى عموده بجريدة «الشروق» بعنوان «ثورة استرداد سيناء» (فى 20/8/2011) حين ذكر «أن التصريحات الأمريكية الأخيرة قالت إنه لا يوجد فى كامب ديفيد ما يمنع الجيش المصرى من بسط سيادته على كامل أراضى سيناء واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان أمنها، وأنه ليس معنى أن النظام السابق قد أحجم عن ذلك طوال الثلاثة عقود الماضية أن مصر ليس من حقها بسط سيادتها لتعزيز أمنها وأمن جيرانها.. لقد تعامل النظام بعقلية المهزوم».
ولكن اهم ما ورد فى نص الاتفاق الإسرائيلى ــ الأمريكى الذى تحفظ عليه د.مصطفى خليل وهو النص المختطف أو المنتقد أو المنتزع من نصوص الاتفاقية المنشورة والمتداولة فى معظم المصادر الرئيسية ــ «أنه فى حالة وجود انتهاك لاتفاقية السلام.. فإنها ستتشاور مع كل الأطراف وتعمل لتعميق أجواء السلام، وأنها كذلك ستنفذ كل الخطوات العلاجية التى تراها مناسبة ويشمل ذلك خطوات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية «وتؤكد أنه فى حالة انتهاكات تؤدى إلى تهديد أمن إسرائيل كضرب حصار حولها أو انتهاكات لنصوص تحديد حجم القوات المنصوص عليها أو وقوع هجمات ضد إسرائيل فإن الولايات المتحدة سوف تنظر فى اتخاذ إجراءات بصورة عاجلة تقوى من تواجد أمريكا فى المنطقة وتقديم الدعم العاجل لإسرائيل، والتواجد بحريا لوضع حد لأى انتهاكات.
هناك إذن ما يشبه النصوص المتناقضة وكذلك نصوص مفتقدة أو مختطفة وكلها حول بعض بنود الاتفاقية وهذا ما أشرت إليه فى مقال سابق بعنوان «الإرهاب وإعادة التفاوض حول كامب ديفيد» بالأخبار فى 4/5/2006.
إن النظام البائد قد أورث الثورة المصرية عبئا لابد من التخلص من آثاره ويحتاج إلغاء أو تعديل الاتفاقية إلى مناقشة برلمانية وشعبية ونخبوية تستند إلى معلومات دقيقة بعيدا عن عمليات التشويه والطحن المعلوماتى الراهنة وبعيدا عن التسرع. إن انتهاكات إسرائيل فى حق مصر وقتل جنود مصريين بأسلحة محرمة دوليا بحاجة إلى رد قوى وممنهج ولكن علينا أن نقوم بذلك بالعاطفة الإيجابية لرد الاعتبار مع عقلانية صارمة تنظر استراتيجيا للموقف وتتجنب أى فخاخ تنصب لنا حتى نتمكن من تحقيق أهداف الثورة النبيلة واجتياز كل العقبات من خلال نموذج مصرى متماسك وصلب يمكننا من بناء أمة تبنى الإخاء وترد كيد المعتدين.