لكى لا تقعوا فى الفخ! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكى لا تقعوا فى الفخ!

نشر فى : الأحد 5 أكتوبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 5 أكتوبر 2014 - 8:45 ص

دعونا نتخيل، ولو لدقائق معدودات، أن الأصوات والمجموعات المدافعة عن الحقوق والحريات قادرة على دفع اليأس والإحباط بعيدا عنها ولديها من مصادر القوة الأخلاقية والفكرية والإنسانية ما يمكنها من مقاومة الهجمة الشرسة لمنظومة الحكم / السلطة ومن تجديد الإيمان بأن طلب الناس على العدل والحق والحرية والمساواة والكرامة لن يواصل الانزواء طويلا. كيف ستنظرون حينها إلى الأحداث والظواهر الراهنة فى مصر؟ وهل سترون بها بعض الفرص بجانب الانتكاسات والتراجعات والأزمات المتتالية؟

ستنظرون من حولكم، وتدركون الاستحالة الفعلية لتواصل إنكار وسائل الإعلام العامة والخاصة المسيطر عليها من قبل منظومة الحكم / السلطة لتراكم الإجراءات غير الديمقراطية، والصعوبة المتزايدة لتعريض قطاعات شعبية واسعة لعمليات تزييف وعى ذات فاعلية تجعلها تقبل بالمبررات الرسمية لإجراءات انتقلت من انتهاكات الحقوق والحريات ومن تمرير نصوص دستورية وقانونية قمعية إلى ممارسات تعسفية انتقامية ومخيفة.

فمعاقبة المعارضين السلميين أو تهديدهم المستمر بالعقاب حال عدم توقفهم عن التعبير الحر عن الرأى، وإخضاع منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية للمراقبة الأمنية وإفقادهم القدرة على العمل بحرية وفى إطار ضمانات قانونية تحمى الحق العام وتلزم بالنزاهة والشفافية بشأن مصادر التمويل وأنواع الأنشطة وطبيعة الأهداف، والقضاء على استقلال الجامعة المصرية بتعديلات فى قانونها تعيد قاعدة التعيين لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد وتخص رأس السلطة التنفيذية بصلاحية التعيين وبتعديلات كارثية أخرى تمكن رؤساء الجامعات منفردين من فصل «المغضوب عليهم» من أعضاء هيئة التدريس ومن إنزال عقوبة الفصل النهائى بالطلاب «غير الوطنيين» وفى الحالتين دون تحقيقات قانونية مستقلة أو مداولات علنية من قبل لجان مختصة، جنون المراقبة الأمنية للمواطن وتجريده من حقه فى الخصوصية وإخافته من التعبير الحر عن الرأى كطالب جامعى أو عضو هيئة تدريس أو كمستخدم لشبكات التواصل الاجتماعى؛ جميعها ممارسات صادمة للناس وليس من اليسير تبريرها باستدعاء «الحرب على الإرهاب والعنف» أو بالإشارة الزائفة إلى «حالة ضرورة / استثناء» تمر بها مصر اليوم أو بادعاء مراوغ جوهره أنها «مؤقتة» الطابع وستفسح المجال قريبا لتحولات ديمقراطية حقيقية.

ستنظرون من حولكم، وتدركون أنكم لم تعودوا بمطالبين بتبرير انشغالكم بقضايا الديمقراطية وحكم القانون ولا بسوق «الدلائل» على وطنيتكم وعلى الرابطة الإيجابية بين الدفاع عن الوطن والدولة والمجتمع وبين البحث عن العدل والحق والحرية ــ وهى الوضعية التى حاولت طوائف المفكرين والكتاب والسياسيين والإعلاميين الذين ساوموا على الديمقراطية فرضها عليكم وأرفقتها طيور ظلام المرحلة بحملات التخوين والتشويه والتجريح الظالمة.

اليوم، ترى فيكم قطاعات شعبية مؤثرة أصوات ومجموعات تدافع عن مبادئها وقيمها الأخلاقية والفكرية والإنسانية باتساق يسمو على المصالح الشخصية وحسابات المكسب والخسارة الضيقة، وتعاود الانفتاح على عملكم وتتعاطف معكم بعد أن تمددت خريطة الظلم والمظالم فى المجتمع. أما طيور الظلام المرحلة فبين تبنى جزئى لقضايا الديمقراطية والحقوق والحريات تجمل به وجوهها، أو بين مواصلة لإطلاق الاتهامات الزائفة باتجاهكم كوسيلة هجومية للدفاع عن النفس والإنكار المريض لفقدان المصداقية.

مسئوليتكم الآن هى ألا تقعوا فى فخ الضعف الذى تنصبه لكم السلطوية، وأن تنتبهوا لشراك الوهن المتوهم التى تعدها طيور الظلام. أنتم جماعيا أقوى مما تظنون، والناس تقترب منكم مجددا بعد ابتعاد.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات