خمسون عامًا على حرب أكتوبر 1973.. الدور السوفيتى فى الحرب - عزت سعد - بوابة الشروق
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 8:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمسون عامًا على حرب أكتوبر 1973.. الدور السوفيتى فى الحرب

نشر فى : الخميس 5 أكتوبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الخميس 5 أكتوبر 2023 - 6:45 م

خلال زيارته لموسكو فى أكتوبر 2018، والتى وافقت ذكرى مرور 75 عامًا على العلاقات المصرية/(السوفيتية) الروسية، أكَّد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه، وبوضوحٍ لم يسبقه فيه أى زعيم مصرى آخر منذ حرب 1973: «امتنان مصر وشعبها للدعم الروسى (السوفيتى) خلال القرن الماضى.. لقد كانت روسيا دائمًا ــ شعبًا وحكومة ــ أول مَن قدَّم يد العون لمصر لاستعادة الأراضى المحتلة، كما أن مصر لن تنسى مساهمة روسيا فى معركتها للبناء والتعمير.. إن هذا الإرث القيِّم من التعاون المشترك، سيظل محل تقديرٍ بالغ من الشعب المصرى». ومما لا شك فيه أن هذه الكلمات، بقدر ما عكست ما وصلت إليه علاقات مصر بروسيا من تطورات إيجابية، انطوت على العرفان بالدور السوفيتى الداعم لمصر فى حرب أكتوبر المجيدة، والتخفيف مما تركه قرار إنهاء عمل الخبراء والمستشارين السوفيت من مرارة، ما زال بعض المحللين والكتاب وكبار المسئولين الروس، الذين شهدوا تلك الفترة، يستدعونها بمناسبة ذكرى الحرب.

الواقع أن هناك تفاصيل كثيرة حول العلاقات المصرية/السوفيتية ارتباطًا بحربَى 1967 و1973، يصعب تناولها فى مقال موجز كهذا. ومن ثمَّ، سأكتفى هنا بالإشارة إلى بعض النقاط التى أرى أهميتها لإلقاء الضوء على الدور السوفيتى فى هذا الشأن.

أولا: فور هزيمة يونيو 1967، تبنَّى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطة تقوم على أساس إحلال توازن دولى محل التوازن الإقليمى المختل، لصالح إسرائيل. ومن ثمَّ، دعا الاتحادَ السوفيتى إلى مزيد من الانخراط فى الصراع، مقابل الدعم الأمريكى شبه المطلق لإسرائيل. ومن الثابت أن مصر حصلت على دعم عسكرى سوفيتى قوى وفعَّال عقب الهزيمة مباشرةً، عبر إتاحة جسر جوى وبحرى كثيف استمر أكثر من عشرين يومًا، زوَّد مصر بآلاف الأطنان من الأسلحة والمعدات العسكرية، تمكَّنت مصر على إثره من تعويض خسائرها من معدات وأسلحة.

كانت للاتحاد السوفيتى، فى المقابل، مصالح مؤكدة فى المنطقة، تمثلت فى الحرص على ترسيخ النفوذ السوفيتى فيها، والوصول إلى المياه الدافئة؛ وتعزيز العلاقات مع الدول العربية التى أخذت تنعم باستقلالها؛ ومحاولة النفاذ إلى أفريقيا، وسوقها، وتعزيز النفوذ السوفيتى فيها؛ واختبار الأسلحة العسكرية السوفيتية فى مسارح عمليات غير أوروبية.

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن لجوء مصر إلى الاتحاد السوفيتى من أجل السلاح، بما فى ذلك الصفقة العسكرية الشهيرة مع الاتحاد السوفيتى، عبر تشيكوسلوفاكيا فى سبتمبر 1955، حدث فقط بعد أن أيقن عبدالناصر أن الغرب لن يوفر له السلاح الذى يطلبه، مقرونًا بسحب تمويله لمشروع السد العالى، الذى قام السوفيت بتمويله بدلا عنه، فضلا عن تبنى مصر النظام الاشتراكى عام 1961. بل إنه رغم عودة العلاقات إلى مستوى السفراء فى سبتمبر 1984 بقرار من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والتطورات الإيجابية التى شهدتها علاقات البلدين فى عهده، بعد قيام الرئيس السادات بالإلغاء المنفرد لمعاهدة الصداقة والتعاون فى مارس 1976، فقد كان هناك نوع من التشكك السوفيتى (الروسى) إزاء توجهات سياسة مصر الخارجية والاقتناع بصعوبة مضى القاهرة فى تعاونها إلى المدى الذى تطمح إليه روسيا، خاصة الجوانب العسكرية والاستراتيجية للعلاقات، التى تعتقد أن علاقاتها بمصر مرتبطة بشدة بترمومتر علاقات القاهرة بواشنطن، وأن الأولى تلجأ لموسكو فقط عندما تتعقد علاقاتها بالثانية. ونجد صدى لهذا التقييم الروسى فيما ذكره السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق فى شهادته، حيث ذكر أن الرئيس الأسبق مبارك «كان يُقدِّر أن الاتحاد الروسى يمثل لمصر خيارًا متاحًا إذا ما تعقَّدت العلاقات مع الغرب».

• • •
ثانيًا: كثيرًا ما يتناول المحللون السياسيون لتلك الفترة محددات السياسة الخارجية السوفيتية، ارتباطًا بدعم مصر عسكريًا، بالحديث عن «سياسة الوفاق» التى أعطتها موسكو أولوية فى تلك الفترة من ناحية، والتى بدأت ملامحها منذ بداية السبعينيات، مع تولى إدارة نيكسون، وتحول الصين الشعبية من الصداقة والتحالف مع الاتحاد السوفيتى إلى العداء، بل والصدام المسلح على الحدود، وهى السياسة التى جنَّبت القوتين الانزلاق نحو المواجهة، مع سعى كل منهما إلى تغيير موازين القوى فى المنطقة لمصلحته، وإدراك كلتيهما حدود حركتها، بصورة تتوقف دون بلوغ نقطة الخطر والصدام المسلح، ومحاولة كل منهما اختبار قدرة الآخر على الصمود.

ومن ناحية أخرى، رغبة الاتحاد السوفيتى فى التسوية السلمية للصراع، مدفوعًا فى ذلك بهواجس إمكانية أن تتكرر مأساة 1967، من زاوية مدى القدرة العربية على خوض صراع عسكرى آخر مع إسرائيل، والتى لو تكررت كانت تعنى دون شك نهاية الوجود السوفيتى فى المنطقة، وحتى بافتراض اقتناع موسكو بتعذر الحل السلمى بسبب التعنت الإسرائيلى وبإمكانية قيام العرب بعمل عسكرى، فقد كانت ترجح ــ على ما بدا ــ إجراءً عسكريًا محدودًا.

• • •
ثالثًا: تشير مذكرات كبار القادة العسكريين المصريين العظام إلى أن الجانب السوفيتى، وبالرغم من تردده فى بعض الأحيان فى الاستجابة إلى كامل الاحتياجات المصرية من السلاح، إلا أنه قام بالاستجابة إليها فى نهاية المطاف. ومن المهم هنا التأكيد على أن مصر كانت تشترى احتياجاتها العسكرية من الأسلحة السوفيتية بعملتها المحلية بنظام الصفقات المتكافئة. فكما ذكر الفريق الشاذلى فى مذكراته، أنه تم الاتفاق مع السوفيت على أن تكون طريقة دفع ثمن الأسلحة والمعدات كالتالى: تقوم موسكو بخصم 50 % من قيمة السلاح الذى تبتاعه مصر منها؛ ثم تقوم بإقراض مصر قرضًا يغطى ثمن السلاح المُشتَرَى (بعد خصم الـ 50 %)، ويتم دفع هذا القرض على أقساط سنوية لمدة من 10 إلى 15 سنة بفائدة 2 %، ويتم سداد القسط الأول بعد فترة سماح طويلة. وهكذا تكون المحصلة «أن مصر تشترى السلاح السوفيتى بما يوازى 25 % من ثمنه فى السوق العالمية، فضلا عن تسوية ذلك بالجنيه المصرى وبالتقسيط المريح. وفى إطار هذا الاتفاق، كانت مصر تشترى الطائرة الميج 21 بمبلغ 250 ألف جنيه، والدبابة «تى 55» بمبلغ 55 ألف جنيه».

• • •
رابعًا: إن الدعم السوفيتى لم يقتصر فقط على الدعم العسكرى، وإنما شمل الدعم السياسى أيضًا، فيما يتعلق بكل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، مثل القرارات رقم 338 و339 و340، وذلك بجانب الوقوف مع المبادرات والمقترحات المصرية التى قُدِّمَت فى تلك الفترة لتسوية الصراع. وبجانب هذا الدعم، لا ينبغى تجاهل دور الخبراء والمستشارين السوفيت فى معاونة نظرائهم المصريين فى الإعداد للمعركة، وتقديم الخبرة فى مجالات التدريب والتكتيك الحربى، بما فى ذلك إقامة أول نسق دفاعى غرب القناة، ممثلا فى حائط الصواريخ، معززًا باحتياطى مدرع فى نوفمبر 1967، وأيضًا فى عمليات التدريب على بعض الأسلحة الحديثة، فضلا عن الإمداد بالمقاتلين السوفيت لحماية العمق المصرى ضد الضربات الإسرائيلية، فى سياق صفقة يناير 1970.

وارتباطًا بهذه النقطة، ذكرت وثائق بريطانية، جرى الكشف عنها مؤخرًا، أن السوفيت هم الذين نصحوا الرئيس السادات باختيار يوم السبت تحديدًا لعبور قناة السويس وبدء الهجوم على الجيش الإسرائيلى الذى كان يحتل سيناء، وأن حجم الدعم السوفيتى لمصر وسوريا حتى «قبل الحرب وخلالها» كان أكبر بكثير مما يُعتقد. كما ذكرت أن السوفيت أدوا دورًا مؤثرًا ساعد المخططين المصريين فى أن ينفذوا بإحكام خطة الخداع، التى جاءت بعد دراسة دقيقة لتجربة الهزيمة أمام إسرائيل فى حرب يونيو 1967، بكل تفاصيلها. وأن التحليل العربى، المصحوب بإرشاد من جانب مستشاريهم الروس، لحرب يونيو 1967، أظهر أنه إذا أراد العرب تحقيق أى نوع من النجاح ضد الإسرائيليين، فلا بد أن يضمنوا أن تكون المفاجأة كاملة.

• • •
خامسًا: لعلَّ القضية الأكثر جدلا ارتباطًا بالدور السوفيتى فى الحرب، هى قرار الرئيس السادات إنهاء عمل الخبراء والمستشارين السوفيت فى يوليو 1972، وهو القرار الذى برَّره الرئيس السادات خلال اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مساء 24 أكتوبر 1972 بمكتب الرئيس بمنزله بالجيزة، برغبته فى عدم وجود المستشارين والقوات الصديقة السوفيتية على أرض مصر عند قيام الحرب، باعتبار المعركة مصرية بالأساس، سواء فى حال النصر أو الهزيمة، منوِّهًا بالصعوبات التى تواجهها مصر فى الحصول على كامل احتياجاتها من الأسلحة، وتردد القادة السوفيت فى هذا الشأن.

على أنه يُستفاد مما ذُكر حول هذا الاجتماع فى مذكرات القادة العسكريين والسياسيين أن البعض منهم كان متحفظًا على قرار إنهاء مهمة هؤلاء الخبراء، خاصة بالنظر إلى تداعياته على القدرات العسكرية والتخطيط للحرب، وما قد يمثله ذلك من فقدان مصر الرافد الرئيسى للمساعدات العسكرية مع قيام الحرب. ومع ذلك، قدَّر وزير الخارجية الأسبق محمود رياض أن ذلك القرار رحَّب به السوفيت «فى قرارة أنفسهم وسارعوا فى تنفيذه قبل نهاية المدة التى حددها لهم الرئيس السادات».

ويفسر رياض ذلك بأن الرئيس عبدالناصر سبق له أن أقنعهم خلال السنوات الماضية بالمساهمة بوحدات عسكرية مقاتلة وطيارين مقاتلين للدفاع الجوى عن العمق المصرى، بحيث يتفرغ الطيارون المصريون للعمليات الهجومية فى الجبهة، بينما كان السوفيت يأملون فى أن يؤدى مجرد تواجدهم العسكرى فى مصر إلى الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة للقبول بالحل السلمى، إلا أن ذلك لم يتحقق بل أدى إلى المزيد من التصعيد من جانب الولايات المتحدة. لذا فإنهم عندما لمسوا من مصر إصرارا على العمل العسكرى شعروا بالراحة لتخلصهم من الالتزامات العسكرية التى كان يفرضها عليهم وجودهم العسكرى فى مصر، وخاصة طياريهم. وقد خلص رياض إلى القول بأن «السوفيت لم يكونوا حريصين على استمرار وجودهم العسكرى فى مصر، مما دفعهم لإبلاغ الولايات المتحدة استعدادهم لسحب وحداتهم العسكرية عندما تتم التسوية». ويدلل رياض على صحة تفسيره هذا بأن الاتحاد السوفيتى، بمجرد خروج خبرائه ووحداته العسكرية من مصر، واصل فى نفس الوقت دعم مصر عسكريا، بل وقدم لمصر أسلحة حديثة جديدة لم تكن لديها من قبل، واستمر فى ذلك أثناء وبعد حرب أكتوبر 1973، فى الوقت الذى كان واضحًا للسوفيت توجه الرئيس السادات غربًا، وهو توجه بدأه منذ الأيام الأولى من ولايته، وفقًا للتقييم السوفيتى، ومرورًا بالانخراط فى مسار ثنائى مع الولايات المتحدة قبل وأثناء وبعد الحرب، وصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو فى نهاية عهده (سبتمبر 1981).

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات