ما الذى سيفرق مع الفلسطينيين وغالبية العرب إذا بقى بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل أو استقال أو تمت محاكمته وإدانته وسجنه بقية عمره، أو حتى تم الحكم بإعدامه؟
أسأل هذا السؤال لأن عددا لا بأس به من المعلقين والمحللين والكُتاب العرب صاروا يكررون مقولة أن حياة نتنياهو السياسية سوف تنتهى بمجرد توقف العدوان الإسرائيلى الغاشم والدموى على قطاع غزة والمستمر منذ عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى وحتى هذه اللحظة.
وهذا الأمر كان جزءا من نقاش مهم وثرى شاركت فيه مساء الجمعة الماضية على شاشة قناة «القاهرة الإخبارية» أداره الإعلامى المتميز محمد عبدالرحمن ورغدة منير وشارك فيه أيضا الخبير الفلسطينى فى الشئون الإسرائيلية فراس ياغى.
وجهة نظرى أنه يجب ألا ننشغل كثيرا بمستقبل نتنياهو السياسى أو حتى الجنائى. المهم والأساس هو أن ننشغل أولا بوقف هذه المجزرة، وبعدها يمكننا مناقشة أى موضوع آخر.
من حق الصحافة الإسرائيلية وحتى الأجنبية أن تنشغل بمستقبل نتنياهو السياسى، لكن أن يتحول الأمر إلى الشغل الشاغل لبعض المعلقين العرب فهو أمر غريب.
أعرف وأدرك الدور المهم الذى يلعبه الزعماء والرؤساء والقادة فى تاريخ وحياة ومستقبل الدول والأمم وتغيير السياسات، لكن ونحن نناقش تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن، فإن من يقرر السياسة الإسرائيلية ليس شخص القائد أو الزعيم فقط، بل الطبقة السياسية بمعظم تنوعاتها والمزاج العام ووسائل الإعلام وعوامل أخرى متشابكة.
نتذكر أن زرع وتأسيس إسرائيل بشكلها الحالى تم على يد قادة حزب العمل الذى يصنفه بعضنا بأنه معتدل، ونتذكر أن المذابح الصهيونية الكبرى بحق الفلسطينيين والعرب تم فى عهد هؤلاء «المعتدلين»، من أول دير ياسين وقبية إلى بحر البقر وقانا واغتيال القادة الفلسطينيين فى تونس وعواصم عالمية مختلفة.
لو أن المشكلة فقط فى نتنياهو وتطرفه لكان الأمر سهلا، ولكنت شاركت فى الانشغال بمستقبله وتمنيت رحيله، لكن الأمر مختلف إلى حد كبير. فالمجازر الإسرائيلية بدأت حتى قبل مولد نتنياهو، وأغلب الظن أنها سوف تستمر حتى بعد رحيله، ومن المثير للسخرية مثلا أن نتنياهو المتطرف يصنفه البعض حاليا باعتباره معتدلا إذا قورن بتطرف إيتمار بن غفير أو بتسلئيل سموترتيش أو أفيجدور ليبرمان وغيرهم من قادة الاحتلال.
أعلم أن المجتمع الإسرائيلى منقسم وربما تكون غالبيته ضد نتنياهو خصوصا بعد مشكلة قانون الإصلاحات القضائية، وأعلم أن قادة وكُتابا غربيين يطالبون بإبعاده كما فعل توماس فريدمان مؤخرا فى النيويورك تايمز، لكن ما يشغلنى أن نتنياهو المثير للجدل فى إسرائيل، هو الذى يقود المجزرة ضد الأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة، وسياسة القتل والتهجير والتدمير فى الضفة الغربية.
وبالتالى فالقضية الأساسية أن نتنياهو يحقق مصالح قومية لبلده ولمستقبلها حتى لو كان مكروها، وحتى لو خرج من الحكم بعد أسابيع أو شهور بصورة مهينة.
هو قد يكون مستمرا وموغلا فى ارتكاب المجازر ليهرب من مسئوليته عما حدث من ضربة شديدة الإيلام فى ٧ أكتوبر على يد المقاومة الفلسطينية، ومحاولة تأخير التحقيق معه، وحدوث معجزة تعيد تعويمه سياسيا.
كل ذلك يخص الإسرائيليين، لكن ما يهمنا كعرب هو أن غالبية هؤلاء الإسرائيليين المختلفين سياسيا مع نتنياهو يؤيدونه الآن فيما يفعله من جرائم حرب وإبادة جماعية فى غزة، وحتى إذا أبعدوه غدا أو بعد غد من المشهد السياسى، فسوف يأتون بآخر يمارس نفس السياسة، ولكن ربما بقفازات حريرية كما فعل معظم قادتهم منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن.
مرة أخرى أكرر أننى أدرك الدور المهم الذى يلعبه القادة فى تاريخ شعوبهم، لكن علينا أن ندرك أن إقامة السلام العادل والدائم فى المنطقة لن يحققه لنا نتنياهو أو جانتس أو هيرتزوج أو باراك أو الشعب الإسرائيلى، بل أن يكون هناك توحد فلسطينى ودعم عربى حقيقى، وسياسة فلسطينية وعربية تدرك أن التهديد الصهيونى لا يقتصر على الفلسطينيين بل على كل المنطقة العربية، وأن إسرائيل لن تعطى العرب أى حقوق لهم، طالما أنهم متفرقون ومنقسمون.
فليذهب نتنياهو إلى حيث يستحق، ولننشغل نحن بالبحث فيما يحمى حقوقنا وأمننا القومى وتقوية أنفسنا، فالسلام والاستقرار لن يتحققا ونحن ضعفاء، كما قال وزير الدفاع الفريق أول محمد ذكى فى افتتاح معرض إيدكس صباح الإثنين الماضى.