تمر المجتمعات فى مراحل التحول الديمقراطى بمنحنيات كثيرة، ويصل الأمر إلى المطالبة بعودة النظام الاستبدادى السابق، أو على الأقل الحنين لأيامه. أحد الذين درسوا التحولات الديمقراطية فى العالم ــ فيليب شيمتر ــ ذكر ذلك فى معرض حديثه عن الدروس المستفادة من الخبرات التى درسها من أوروبا الشرقية إلى أمريكا اللاتينية. وبالتالى ليس غريبا أن نجد هذا الخطاب يروج بين عامة الناس الذين يتضررون من ضعف الأمن، والغلاء الاقتصادى، والتوتر السياسى، ومشاهد العنف والدم. لكن الجديد فى حالة مصر أن هناك غيابا للمعنى أو الغاية التى نسعى لتحقيقها بسبب سلوك الحكم والمعارضة معا مما يكشف عن تردى مستوى ما يطلق عليه النخبة إلى حد لم يكن متوقعا. ويشكل تدهور الأداء الحكومى مصدرا رئيسا للإحباط الشعبى، حكومة لا تتمتع بأى غطاء سياسى سوى من رئاسة الجمهورية، وحزب الحرية والعدالة، رغم أن أطرافا إسلامية وغير إسلامية، وأصوات غاضبة فى الشارع تطالب بتغييرها ليس فقط لضعف قدراتها سياسيا واقتصاديا، ولكن أيضا لأن هناك اتهامات تفيد بتحيزها سياسيا للإخوان المسلمين، وشكوك حول بقائها حتى يجرى تزوير الانتخابات البرلمانية. الدرس المستفاد من مخاض التحول الديمقراطى شرقا وغربا هو أهمية وجود حكومة قادرة على الإنجاز، وتهدئة خواطر الجماهير العريضة بأن التحول الديمقراطى يقترن بالتنمية، والارتقاء بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى، وإلا فالحنين لحضن الاستبداد الدافئ يظل يلح على خواطر الناس التى كل ما يشغلها ليس حوار الفضائيات، ومعارك السياسيين، ولكن حرب الثلاث وجبات.
غياب المعنى هو العنوان الرئيسى للمرحلة التى نعيشها، وهو ما يؤدى إلى إحباط، وعجز، وفقدان الثقة فى العملية الديمقراطية برمتها. من هنا يبدو غريبا ــ بالنسبة للعواصم الغربية ــ أن دولة تخطو أولى خطواتها على طريق الديمقراطية تتعالى فيها الأصوات الداعية إلى مقاطعة الانتخابات وسط تصاعد انفصال قطاعات شعبية عريضة عن العملية السياسية، ولا تلتفت السلطة القائمة إلى أية مطالب ترفعها المعارضة لضمان نزاهة حيادية العملية الانتخابية. فقط إلحاح على الحوار، وكأنه غاية فى ذاته، دون أن يترجم إلى ممارسة فعلية، مما يزيد من حدة الاستقطاب السياسى السائد.
ينبغى أن يتوقف اللهاث السياسى الذى يقوده الإخوان المسلمون حتى نبحث عن معنى، ونتفق على خارطة طريق للتحول الديمقراطى نستعيد من خلالها المعنى فى التجربة، والثقة فى الطبقة السياسية القائمة على إدارتها. نتفق على إعادة النظر فى دستور غير متوافق عليه، وأسس لضمان حياد جهاز الدولة، وقواعد لإدارة انتخابات حرة ونزيهة، وحكومة قادرة على الإنجاز فى مرحلة زمنية، الأفضل أن تكون بلا لون سياسى، أو على الأقل تحمل كل الألوان السياسية، وخطابات إعلامية جادة تحث الناس على المشاركة، والصبر على التحديات.
الإصرار على سرعة التخلص غير المدروس من هذه المرحلة سيؤدى إلى تمديد الاحتقان السياسى.