بندقية وعدد من الأعيرة وعبارة «إحم مين هناك» وجهل تام بقواعد القراءة والكتابة.. تلك هى مؤهلات أى خفير نظامى فى قرى مصر.. وقريبا من ذلك يقال إن معظم الوجوه الصاعدة إلى رئاسة تحرير صحف الحكومة، وبالأخص اليومية، يصرف لكل واحد منهم مجموعة من العبارات المحفوظة فى علب قديمة من عينة «سمعة مصر» و«باعوا نفسهم للشيطان» «والتطاول على مصر» و «مصر كبيرة ورائدة العرب».
تطلقها الحكومة، أو ينطلقون أوتوماتيكيا، على كل من يشمون رائحة اختلاف فى كلامه مع ما يطرحه سادتهم من أول جناب البيه المأمور، مرورا بالعمدة، وانتهاء بشيخ الخفراء.
تشعر أنهم جميعهم، إلا من عصم ربك من الجهل، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا، فى يد كل منهم نبوت، ما إن يسمع أحدهم حفيف أوراق، أو تغريدة طائر عابر فى السماء حتى يصيح «مين هناك» ثم يطلق عيارين على نحو عشوائى لكى يثبت لمن يهمه الأمر أنه موجود فى مقر خدمته.
واحد من هؤلاء الخفراء سمع شائعة كاذبة عن مفاوضات تجريها قناة المنار اللبنانية مع حمدى قنديل ــ بالمناسبة لا توجد صلة قرابة لى به ــ فتعامل مع الشائعة على أنها حقيقة، وحمل بندقيته وأطلق عدة أعيرة فى الهواء ليثبت أنه موجود وفى الخدمة، ومن ثم قرر الآتى: إلصاق لقب «آية الله» بحمدى قنديل، ثم اتهامه بأنه «باع نفسه للشيطان» وأخيرا قرر الخفير النظامى باعتباره أنه الأعلم بكل شىء أن «حمدى قنديل قرر نقل إقامته إلى بيروت ولن تفيده أموال الملالى ولا الخضوع المطلق للآيات».
ولو كان السيد خفير المساء كلف نفسه عناء التحقق من الخبر لما كان قد تصرف على هذا النحو المخجل والمثير للضحك والشفقة فى آن معا، ذلك أن حمدى قنديل وهو أحد مفاخر الإعلام المصرى ولو كره الخفراء والعسس، موجود فى بيروت لرئاسة ندوة دعا إليها اتحاد إذاعات الدول العربية وهو مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية، وكما قال لى قنديل فى مكالمة هاتفية أمس إنه لا يفكر فى الانتقال ببرنامجه إلى قناة المنار الفضائية، ليس انتقاصا من قدر القناة، بل لأنه ببساطة لا يريد الحياة والاستقرار فى بيروت.. ثم زاد على ذلك أنه فى كل مرة يواجه برنامجه أزمة يتقدم القائمون على قناة «المنار» بعرض، وفى كل مرة يرفض العرض معتذرا بلطف للسبب السابق.
غير أن منطق الخفراء يختلف عن منطق الإعلاميين المحترمين، فالخفير يصيح وطلق الرصاص عشوائيا عملا بقاعدة الأخذ بالأحوط، بينما الصحفى الحقيقى يعرف ويدرك.. ثم يكتب.